أما إن قلنا: إنه تنظيم فالأمر واضح، لكن إذا قلنا: إنه تشريع، فكيف يقول الرسول عليه الصلاة والسلام إن الأرض لك، ثم نقول: إن الأرض ليست لك، نقول: نعم، هذا الحديث عارضه عموم نص آخر، وهو قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، ولأن النبي عليه الصلاة والسلام أوجب طاعة ولي الأمر في غير المعصية، وهذا ليس بمعصية؛ يعني إذا تركت إحياء الأرض حتى تستأذن ليس بمعصية.
ثم إن فيه منعًا للفوضى والاعتداء، لا سيما في زمن يضعف فيه الإيمان بين الناس، فإن الناس لو أطلقت لهم الحرية لاعتدى كل واحد على ملك الآخر، وأخذ منه، فإن لم يُعْلم به سكت، وإن عُلِم به ادعى أنه جاهل أو ما أشبه ذلك، كما كان يصنع صاحب الْمِحْجَنِ، الذي يسرق الحجاج بمحجنه، إن فُطِن له قال: والله هذا المحجن مسك بمتاعك، وإن لم يفطن له راح (٣)، هكذا أيضًا بعض الناس لو تركت الحرية في الأراضي لكان بعض الناس لا يخاف الله عز وجل، فإذا قُيِّد هذا بنظام مُعيَّن، وعُيِّن في الأرض للإنسان بمساحتها وبكل ما يلزم للعلم بها، صار في ذلك مصلحة لعموم الأُمَّة، فكان هذا جائزًا.
قال:(بإذن الإمام وعدمه)، إذا قال الفقهاء:(الإمام) فالمراد به: السلطان الأعظم في البلاد، أما إذا قالوا: الأمير، فالمراد به: نائب الإمام في بلد أو بلدين أو أكثر، لكن إذا قالوا: الإمام، فالسلطان الأعظم؛ أي الذي له الكلمة العليا في البلاد.
قال المؤلف:(في دار الإسلام وغيرها)، دار الإسلام ما هي؟
دار الإسلام كل ما يُعْلَن فيها بالإسلام، هذه دار الإسلام، فإذا كانت هذه البلدة يعلن فيها بالإسلام يؤذن وتصلى الجماعة وتقام الجمعة ويصام رمضان فهي دار إسلام، حتى لو فُرِض أن حكامها كفار فإنها دار إسلام، هذا هو الأقرب في تحديد دار الإسلام، وقيل: إن دار الإسلام من كان أكثر أهلها مسلمين، بقطع النظر عن الحاكم.