بَيَّن المؤلف -رحمه الله تعالى- ما يحصل به الإحياء؛ لأن كل ما سبق بيان للحكم، أما ما يحصل به الإحياء فذكره الآن، وإحياء كل شيء بحسبه، ولهذا قال:(مَنْ أحَاطَ مَوَاتًا) أحاطه؛ يعني: وضع عليه حائطًا منيعًا بما جَرَت به العادة، إن جرت العادة بأن الحائط يكون من لَبِن الطين فهو من لَبِن الطين أو كان من لَبِن الطوب فهو من لبن الطوب أو كان من خشب يُوضَع و ( ... ) بعض ويربط بعضه ببعض، المهم إنه إذا أحاطه بما جَرَت به العادة فإنه يملكه بذلك، حتى وإن لم يَبْنِ ( ... ) وإن لم يغرس غرسًا وإن لم يزرع زرعًا، المهم ما دام بنى حائطًا يحوطه ويمنعه فإنه يكون بذلك محييًا لهذه الأرض.
الثاني:(أو حفر بئرًا فوصل إلى الماء) حفر بئرًا حتى وصل إلى الماء فإنه يكون محييًا؛ لأنه هيأ الأرض لما تصلح له، فإن لم يصل إلى الماء فليس بإحياء، لكنه يكون أحق بها من غيره؛ لأنه ابتدأ بالإحياء ولم ينْهِهِ.
الثالث: قال: (أو أجراه إليه) يعني: إلى الموات، (من عين أو نحوها) أجرى الماء إلى هذه الأرض الموات من عين أو نحوها، كالقصب عندنا؛ المواسير، فإنه يكون محييًا لهذه الأرض، فمثلًا لو حفر ارتوازيًّا يبعد عن هذه الأرض خمسة كيلوات، ثم زرع الأرض، فإنه يملك هذه الأرض، لا يقال: إن منبع الماء بعيد عنها؛ لأننا نقول ما دام الرجل أجرى الماء على هذه الأرض فإنه يعتبر إحياءً، ولكن هل الْمُعتبر وصوله إلى هذه الأرض أو المعتبر إحاطته بالأرض؟
مثال ذلك؛ الوصول معناه أنه جعل لهذا الماء مَصَبًّا في هذه الأرض وحَوَّط عليها، ليس حائطًا، ولكن أحجارًا ومراسيم، فهل نقول: إن العبرة وصول الماء إلى الأرض، أو العبرة أن يسيح في الأرض كلها؟
قال المؤلف:(أو أجراه إليه)، و (إلى) للغاية، وابتداء الغاية داخلٌ لا انتهاؤها، فالظاهر أنه إذا وصل إلى مكان يعد مجمعًا للماء الذي يفرق في هذه الأرض فإن ذلك يعتبر إحياء.