ثم قال:(أو حَبَسَه عنه) يعني: حبس الماء عن الموات ليُزْرع، وهل هذا واقع؟
نعم. متى يكون واقعًا؟
إذا كان حول الأنهر مثلًا أو البحر، فحبس الماء عن هذه الناحية؛ لتكون صالحة للزرع، فيعتبر هذا الحبس إحياء، فمنع الماء لتصلح الأرض للزرع إحياء، وإيصال الماء ليسقي الأرض للزرع إحياء، فصار الماء الآن منعه إحياء وإرجاعه إلى الأرض إحياء.
ولو قال قائل: إن الإحياء يرجع إلى العرف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ»(١)، ولم يُبَيِّنِ النبي صلى الله عليه وسلم ما يحصل به الإحياء، لو قائل بهذا القول لكان له وجه، فما عده الناس إحياء أو تهيئة للإحياء فهو إحياء، وما ليس بإحياء فليس بإحياء، فمثلًا لو أن رجلًا صار يجلب مواد خشبية أو مواد أسمنت أو حديد، وصار ينزل بهذه الأرض ويبيع، فهل يعتبر الناس ذلك إحياء؟
لا، ولهذا لا نقول إنك تملك ذلك؛ لأن هذا لا يعد إحياء، غاية ما هنالك أنه يعد انتفاعًا بالأرض وليس إحياء لها.
وإذا بنى عليها بيتًا وأحاط هذا البيت بحائط ولو واسعًا فإنه يعتبر إحياء؛ لأنه الآن جعلها صالحة للسكنى بعد أن كانت بيضاء لا يُسكن فيها.
ولو نصب عليها خيامًا؟ ليس بإحياء، اللهم إلا إذا جرت العادة بأن نصب الخيام كبناء البيوت، فهذا يكون إحياء؛ لأنه قد يوجد في بعض المواضع لا يسكن الناس إلا في الخيام، فإذا كان كذلك فإن نصب الخيمة يعتبر إحياء.
قال:(أو حبسه عنه ليُزرع فقد أحياه، وَيَمْلِكُ حَرِيم البِئْرِ العَادِيَّةِ خَمْسِينَ ذِرَاعاً مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَحَرِيم البَدِيَّةِ نِصْفَهَا).
البئر إذا حفرت فإن كانت للزرع فهو شبيه بإجراء الماء إلى الأرض، يكون إحياءً لكل ما يمكن أن يزرع بهذه البئر.