الشحيح الذي يضيع خاتمه في التُّرب يبقي يحرث من أول النهار إلى آخره لعله يجد هذا الخاتم، وإذا حرث جانبًا قال: لعله في الجانب الثاني، إذا حرث من الجانب الثاني قال: لعله في الوسط، إذا حرث في الوسط قال: لعله في قاع المكان وهكذا.
إذن العبرة بأوساط الناس خلقًا؛ يعني: ليس كريمًا لا يهتم بشيء، ولا بخيلًا يهتم بكل شيء، ولا شك أيضًا أن أوساط الناس من حيث المال أيضًا معتبر، فإن الفقير إذا ضاع منه الشيء اليسير تعلَّقت نفسه به، والغني لا تتعلق به نفسه في الغالب.
المهم هل قولنا:(وتتبعه همَّةُ أوساط الناس) من تمام تعريف اللقطة أو لا؟
نقول: أما ظاهر كلام المؤلف فنعم؛ لأنه قال:(مال أو مختص ضلَّ عن ربِّه وتتبعه همة أوساط الناس)، وأما على القول الراجح فلا؛ لأن هذا قيد فيما يجب تعريفه لا في حقيقة اللقطة.
قال:(فأما الرَّغيف والسوط ونحوهما فيُمْلَك بلا تعريفٍ)(الرغيف) يعني: الخبزة، (السوط) يعني: العصا، (ونحوهما) كالحبل والقلم الرخيص وما أشبهها فإنه يملك بلا تعريف، من الذي يملكه؟
يملكه واجده ولا حاجة أن يعرف؛ يقول: من ضاع له القلم؟ من ضاعت له خبزة؟ من ضاع له سوط؟ لأن هذا شيء زهيد إذا ضاع من الإنسان لا يذهب يطلبه.
يشترط في هذا ألا يكون عالمًا بصاحبه، فإن كان عالمًا بصاحبه وجب عليه إعلامه؛ مثل أن أجد قلمًا لا يساوي درهمًا، لكني أعرف أنه لفلان، فهنا لا يحل لي أن آخذه، ولكن يجب عليَّ إعلام صاحبه أو إيصاله إليه، أيهما الواجب؟
الواجب الإعلام، أما الإيصال ما يجب عليه، قد يقول مثلًا: قد أكون أنا حفظته في بيتي ووجدت صاحبه في المسجد بعيدًا عن البيت، فهل يجب عليَّ أن أرجع إلى البيت لآتي به إليه؟ لا يجب عليَّ، يجب عليَّ إعلامه به، ثم آتي به متى تيسَّر، أو أقول: اتبعني وأعطيك إياه.