للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشيخ: لأنها تقول: خليه يموت، ما دام ولدي يأكله الذئب، خلِّ هذا أيضًا يموت، ما يهم، ولكن الصغرى أبَتْ، وقالت: هو لها يا نبي الله. فحكم به للصغرى ليش؟ لأن هنا بينة ظاهرة، الصغرى أشفقت عليه، وقالت: يبقى حيًّا، ولو كان ليس عندي، والكبرى قالت: يموت، لو كانت الكبرى أمه حقًّا ما طلبت أن يشق بالسكين، قضى به للصغرى (١).

فمثلًا هنا إذا تنازع اثنان في اللقيط نقول: إن كان هناك بينة تقول: إن هذا اللقيط لفلان وُلِد على فراشه أو ما أشبه ذلك فهو له، وإن لم يكن بينة يقول المؤلف: عُرض على القافة (فمن ألحقته القافة به فهو له)، القافة جمع (قائِف)، كالصاغة جمع (صائغ)، والباعة جمع (بائع)، من القافة؟ القافة قوم يعرفون النسب بالشبه، وعندهم تجربة يعرفون أن هذا ولد فلان، وإن لم يعلموا بذلك من حيث النسب؛ ولهذا سُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم سرورًا بالغًا لما مر مُجزِّز المدلجي بأسامة بن زيد وزيد بن حارثة، وكان عليهما رداء وقد بدت أقدامهما، فقال مجزز: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة مسرورًا تبرُق أسارير وجهه (٢).

وذلك لأن قريشًا اتهموا زيد بن حارثة بأن أسامة وهو أبيض ابن له وهو أسود، وقالوا: ما يمكن هذا، كيف يجي أبيض من أسود؟ هذا -والعياذ بالله- عرَّضوا به بأنه ولد زنا، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يهمه هذا الشيء، فكان شهادة مجزز المدلجي -وهو قائف مشهور- مما أدخل السرور على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذن القافة قوم يعرفون النسب بالشبه، بالأقدام، بالأطراف، بأي شيء كان، يعرفونه، هؤلاء يؤخذ بقولهم بشرط أن يكون مجربًا بالإصابة، فأما إذا كان غير مجرب بالإصابة فإننا لا نثق به، لكن إذا عُرف وجُرِّب بالإصابة فإنه يُعمل به في باب النسب.

<<  <  ج: ص:  >  >>