إذن هذه الوصية المسنونة؛ أن يُوصي بالخمس، لمن؟ المؤلف لم يُبَيِّن إلى أي جهة يُصرف هذا المُوصَى به؟ والجواب أن نقول: يصرف في أعمال الخير، وأولاها القرابة الذين لا يرثون؛ لأن الله فرض الوصية لهم، فإذا قلنا بأن الآية لم تُنسخ صارت الوصية للقرابة الذين لا يرثون واجبة، وإذا قلنا: إنها منسوخة صارت مستحبة، فأفضل ما نقول للمُوصي: أوصِ بالخمس، يُصرف إلى أقاربك الذين لا يرثون؛ سواء كانوا أغنياء أم فقراء، فإن كانوا فقراء تأكد حقهم من وجهين؛ القرابة، والفقر.
وإن أوصى به لغير هؤلاء، فإن قلنا بأن الآية منسوخة فلا حرج عليه، وإن قلنا بأنها مُحكَمة وجب أن يوصي ولو بقليل إلى ورثته الذين لا يرثون، والباقي يُصرَف في أعمال خير عامة، لا تكون لأحد من ورثته؛ لأن الوصية للوارث حرام.
وإذا أوصى بشيء إلى جهة عامة صار أكثر أجرًا، وأعم نفعًا، وصار أيضًا أسهل وأيسر على الوصي؛ لأنه ينجزه في شهر أو شهرين وينتهي منه، لكن إذا بقيت الوصية كلما نشأ ظرف طالب فيها صار في هذا مشقة في المستقبل.
قال:(ولا تجوز بأكثر من الثلث لأجنبي) لا تجوز، الضمير يعود على الوصية (بأكثر من الثلث لأجنبي)؛ وهو من لا يرث.
ودليل عدم الجواز أن سعد بن أبي وقاص قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في مرض ظن أنه مرض الموت، قال: أتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قال: فالشطر؟ قال: لا. قال: فالثلث؟ قال:«الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ». فدل هذا على أن الوصية بأكثر من الثلث لا تجوز؛ لقوله:«إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً».