أعيد المثال: أوصى رجل بأكثر من الثلث وتوفي، كان من جملة ورثته رجل مريض، له نصف ميراثه؛ نصف ميراث الأول، فأجاز الوصية وليس له مال إلا ما ورثه من المورث الأول، إذا قلنا بأنها ابتداء عطية لم ينفذ من وصيته إلا ما يُقابل الثلث، ثلث ما ورث، وإذا قلنا: إنها تنفيذ صح تنفيذه، ولو لم يكن عنده إلا هذا المال الموروث؛ لأن هذا تنفيذ لتصرف غيره، وليس ابتداء من تصرفه، ولهذا قال المؤلف: فيصح تنفيذًا. بقي علينا أن نقول: هل يجوز أن يوصي بأكثر من الثلث، ولو قلنا بأنه يتوقف على إجازة الورثة؟
الجواب: أن نقول: ظاهر كلام المؤلف أنه يجوز؛ لأنه قال:(ولا تجوز بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة).
فظاهر كلامه رحمه الله أنه يجوز أن يُوصِي بأكثر من الثلث لكنه يتوقف على إجازة الورثة، ولكن الصحيح أنه لا يجوز أن يوصي، لكن إذا أوصى فهو آثم، والتنفيذ يتوقف على إجازة الورثة.
وإنما قلنا ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع سعد بن أبي وقاص من الزائد على الثلث، ولم يقل: إلا أن يشاء ورثته، هذا من وجه.
الوجه الثاني أنه ربما يجيز الورثة أو بعضهم ما أوصى به الميت حياء وخجلًا، لا عن طيب نفس. ومعلوم أن من تبرع بشيء عن خجل وحياء فإنه لا يجوز قبوله، ولهذا قال العلماء: لو علمت أن شخصًا إنما تبرع لك حياء وخجلًا حرم عليك أن تقبل هديته، مثال ذلك مثلًا رأيت مع إنسان قلمًا أعجبك، فقلت: ما شاء الله، هذا قلم طيب، من أين اشتريته؟ فخجل الرجل، فقال: هو لك، تعرف أنه إنما قال ذلك خجلًا، هل يجوز أن تقبل؟ يقول العلماء: لا يجوز أن تقبل؛ لأنه لم يعطك إياه عن طيب نفس، كذلك أيضًا لو مررت بشخص قد فتح بابه، فقال لك: تفضل، تعلم أنه قاله حياءً وخجلًا، هل تدخل؟ لا تدخل؛ لأنه لم يدعُكَ إلا حياء وخجلًا.