للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أصحاب هذا القول: وذلك لأن تبرع المريض مرض الموت المخوف لا يجوز إلا في الثلث فأقل، وهذا يدل على أن حق الورثة قد تعلق بماله من حين أن كان مريضًا، أما لو تبرع بماله كله وهو غير مريض مرض الموت المخوف فتبرعه صحيح؛ ولذلك نقول: إن أجازوا في الصحة فلا وجه لإجازتهم، وإجازتهم غير مُعتَبرة، وإذا كان في مرض الموت المخوف فإن إجازتهم معتَبرة؛ لأن حقهم قد تعلق بالمال، ودليل أنه تعلق بالمال أن هذا المريض لا يتبرع بزائد على الثلث، وهذ القول قوْل وسط كما علمت، وهو الراجح.

فالأقول إذن ثلاثة:

القول الأول: لا عبرة بالإجازة قبل الموت مطلقًا، وهذا هو الذي مشى عليه المؤلف، وهو المذهب.

والثاني: الإجازة معتبرة مطلقًا. وهذان قولان طرفان.

الثالث: التفصيل، قول وسط يقول: إن كان الموصي في مرض موته المخوف، فالإجازة صحيحة؛ لتعلق حق الورثة بماله، ودليل تعلق حق الورثة بماله أنه لا يملك التبرع بزائد على الثلث، وإن كان في الصحة أو في مرض غير مخوف فإن الإجازة غير صحيحة؛ أي أنها تنفذ الوصية مطلقًا إلا إذا أجازوا بعد الموت، إن أجازوا بعد الموت فهي مقبولة على كل حال ما فيها إشكال.

يقول المؤلف رحمه الله: (وتُكره وصية فقير وارثه محتاج) تُكره وصية فقير، الفقير هنا يقول: تُكره، والكراهة عند الفقهاء حُكم وسط بين الإباحة والتحريم.

وحكمه -أي المكروه- أنه يُثاب تاركه امتثالًا، ولا يُعاقب فاعله، وإنما قلنا: الكراهة عند الفقهاء؛ لأن الكراهة في لسان الشرع أعم من ذلك، بل هي للمحرم؛ قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٢٣]، ثم ذكر أوامر ونواهي، ثم قال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: ٣٨]، كل ما ذكر فالسيئ منه عند الله مكروه، وما هو السيئ من هذا؟ هو ما نهي عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>