نعم، ولكن حينئذٍ يُشترط قبول الورثة. مثال هذا أوصى شخص لآخر بدكان، فلما مات الموصي قبل الموصَى له هذه الوصية، صار الدكان لمن؟ للموصَى له، ثم بعد ذلك ندم، وقيل له: إن الورثة سوف يمنون عليك، سوف يقولون كلما مروا بالدكان: هذا الدكان مورثنا هو الذي أوصى به للرجل، ما ملكه بكسب يده. فلما قيل له هذا الكلام ندم، وذهب إلى الورثة، وقال: إني رددت الوصية. يصح ولَّا لا؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح، قال: أنا ما أبغيها. قالوا: بل هي تبغيك، إذن كيف يمكن الحل؟ وهبها لهم فقالوا: لا نريدها، قالوا: لا نريد لك مِنَّة علينا، إذن تكون لازمة له.
لكن الورثة لا يحل لهم أن يمنوا عليه؛ لأنه يمكن له ولغيره أن يقول: ليس لكم عليَّ منة، المنة لله، ثم للموصِي، أما أنتم فإنه لن ينتقل إليكم شيء من مال الموصِي إلا بعد الوصية؛ لقول الله تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء: ١٢]، وحينئذٍ ترتفع منتهم على هذا الرجل. المهم أن من قبلها ثم ردها لم يصح الرد، ولكن لو أنهم قبلوها على سبيل الهبة فلا حرج.
(ويجوز الرجوع في الوصية) رجوع مَنْ؟ رجوع الموصِي، يجوز أن يرجع في الوصية، مثل لو أوصى بثلث ماله أن يصرف في بناء المساجد، وقبل أن يموت قال: إني رجعت في وصيتي تبطل الوصية؛ لأن الوصية لا تلزم إلا بعد الموت، وأما قبل الموت فهو حر.
وبهذا نعرف الفرق بين الوصية والوقف؛ الوقف يلزم من حين الوقف، والوصية لا تلزم إلا بعد الموت، فلو أن الرجل وقَّف بيته على الفقراء، ثم قبل أن يموت رجع نقول له: لا رجوع؛ لأن الوقف يثبت بمجرد العقد، ولو أنه أوصى ببيته للفقراء وقبل أن يموت رجع؛ صح الرجوع، يصح الرجوع؛ لأن الوصية لا تلزم إلا بعد الموت. هل يجوز أن يُغيِّر في الوصية ويُبدِّل ويُقدِّم ويُؤخِّر؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، يجوز؛ لأنه إذا جاز الرجوع في الأصل جاز الرجوع في الشرط والوصف.