الدليل أن الله قال:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النساء: ٣]، {فَانْكِحُوا مَا طَابَ}، فأطلق النكاح، وعلى هذا فكل ما سُمِّيَ نكاحًا عُرْفًا فهو أيش؟ فهو نكاح؛ لأنه أطلق، ما قال:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، بلفظ الإنكاح أو التزويج ولا قال {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ}[النساء: ٢٥] بلفظ الإنكاح أو التزويج، فلما أطلق العقد رجعنا في ذلك إلى العرف، ولو أننا قلنا: إن التعبير بالمعنى معناه التقيد باللفظ، لقلنا أيضًا: البيع ما ينعقد إلا بلفظ البيع، لما يقول:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}[البقرة: ٢٧٥] وكان كل ما ذكره الله بلفظه قلنا: لا بد فيه من اللفظة، مع أنكم تقولون: إن البيع ينعقد بما دَلَّ عليه عرفًا حتى بالمعاطاة.
دليل أيضًا من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها، فكانت زوجة بأي لفظ؟ بالعتق، بقوله:«أَعْتَقْتُكِ وَجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ»(١)، هم لَمَّا رأوا أن هذا دليل قالوا: يستثنى هذه المسألة، استثنوا هذه المسألة، وقالوا: لا بد أن يكون بالإنكاح أو التزويج، إلا إذا أعتق أَمَتَه وجعل عتقها صداقها.
دليل آخر من السنة: قصة المرأة التي وَهَبَتْ نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآن»(٢)، وهذا نص صريح، أعرفتم الآن الدليل من القرآن ومن السنة؟ من القرآن أن الله تعالى أطلق النكاح، فما عَدَّهُ الناس نكاحًا فهو نكاح، وأما في السنة فحديث صفية: أعتقها وجعل عتقها صداقها، وحديث المرأة التي وهبت نفسها للنبي، قال له النبي عليه الصلاة والسلام:«مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»، الأخير رد عليه مَن يقولون بأنه لا بد من لفظ الإنكاح والتزويج، بأن أكثر الروايات «زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»(٣).