أولًا: لأنه قال: (إلا مع خوف العَنَت) العنت يعني: المشقة في ترك الجماع، فإذا خاف الرجل العنت بترك الجماع؛ يعني: المشقة، أو خافت المرأة المشقة بترك الجماع فإنه يجوز حينئذٍ؛ لأجل المشقة.
والمشقة، من القواعد العامة عند العلماء: أن المشقة تجلب التيسير، وقد أشار الله إلى هذه القاعدة في قوله تعالى في آيات الصيام لما ذكر:{مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر}[البقرة: ١٨٤] قال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥].
فإذا كان الرجل لا يتمكن من ترك الجماع لزوجته المستحاضة، أو المرأة يشق عليها التصبر عن الجماع فإنه حينئذٍ يجوز؛ لوجود المشقة، وإذا جاز للمشقة فهل فيه كفارة كالوطء في الحيض؟ لا، وبهذا نعرف أن تحريم وطء المستحاضة أهون من تحريم وطء الحائض من وجوه متعددة:
أولًا: أن تحريم وطء الحائض قد نص عليه القرآن، وأما المستحاضة فإنه؛ إما قياس، وإما دعوى أن النص شمله.
ثانيًا: أنه يحل وطؤها مع المشقة بترك الوطء بخلاف الحائض.
ثالثًا: أن وطأها لا كفارة فيه بخلاف وطء الحائض.
فلو أن امرأة تجاوز دمها خمسة عشر يومًا فإننا نقول: هي مستحاضة، ويجوز لزوجها إذا شق عليه ترك الوطء أن يجامعها، ويجوز أن يجامعها إذا كان يشق عليها هي ترك الوطء.
والقول الثاني في المسألة: أن وطء المستحاضة ليس بحرام؛ لعموم قوله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم}[البقرة: ٢٢٣]؛ ولأن الحيض ليس كدم الاستحاضة، لا في طبيعته، ولا في أحكامه؛ ولهذا يجب عليها أن تصلي.
وامرأة تستبيح الصلاة بهذا الدم كيف لا يباح وطؤها؟ أيهما أعظم تحريم الصلاة أو الوطء؟ تحريم الصلاة أعظم، فإذا استباحت الصلاة مع هذا الدم، فإباحة الوطء من باب أولى.