(مُكلَّفين سميعين) يعني يسمعان بآذانهما، فإن كانا أصمين لم تُقبل شهادتهما؛ لأنهما لا يسمعان، الولي لو قال: زوجتك بنتي. وذاك قَبِل، وهما لا يسمعان، فوجودهما كالعدم.
وظاهر كلام المؤلف: ولو كانا بصيرين يقرآن، وكُتب العقد كتابة، لو أخذ ورقة الولي وقال: زوجتك بنتي، وقرآها، ثم أعطياها إلى الزوج وقال تحتها: قَبِلْتُ النكاح، فظاهر كلام المؤلف أن ذلك لا يصح.
والصحيح أنه يصح؛ لأن الشهادة تحصل بذلك، الشهادة الآن واليقين يحصل بذلك، فوصول العلم إلى هذين الأصمَّين صار عن طريق البصر، والمقصود وصول العلم، سواء عن طريق السمع أو عن طريق البصر، المهم أن المؤلف اشترط أن يكونا سميعين، ويش معنى سميعين؟ أي يسمعان الصوت بآذانهما، وعلة ذلك؛ لأن الأصم لا يسمع العقد، فلا يسمع الإيجاب ولا القبول.
وترى المراد بالسميعين: ولو كانا ثقيلي السمع، بحيث إنهما لا يسمعان إلا برفع صوت، ما يهم، المهم أن يكون لهما سمع ولو كان قليلًا.
قلنا: ظاهر كلام المؤلف ما دام اشترط أن يكونا سميعين أنهما لو كانا بصيرين يقرآن وكُتب الإيجاب كتابة من الولي والقبول كتابةً من الزوج، وهما يُشاهدان ذلك فظاهر كلام المؤلف عدم الصحة، والصحيح أنه يصح؛ لأن المقصود بالشهادة وصول العِلم إلى مَنْ؟ إلى الشاهد، كما قال الله تعالى:{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[الزخرف: ٨٦]. فإذا وصل العلم إلى الشاهد كفى.
أيضًا لا بد أن يكونا (ناطِقين): ما هو كل إنسان حيوان ناطق؟ ! ما مر علينا في علم المنطق أن كل إنسان فهو حيوان ناطق؟ إذن كيف نقول: ناطِقين؟ ! المراد ناطقان بالفعل، أما قول أهل الكلام: الإنسان حيوان ناطق. فالمراد ناطق بالفعل أو بالقوة.
(ناطِقين) احترازًا من الأخرسين، فلا تُقبل شهادتهما، وصحيح كلام المؤلف أو ظاهره: ولو كانا سميعين بصيرين؛ لأنهما لا يستطيعان أداء الشهادة.