هذان طرفان؛ نطفة ليس بنفاس بالاتفاق، نفخت فيه الروح بعد أربعة أشهر نفاس بالاتفاق.
وما بينهما محل خلاف، اللي بينهما الآن -كما عددنا قبل قليل- ثلاث مراحل: علقة، مضغة مخلَّقة، مضغة غير مخلَّقة.
فمن العلماء من يقول: إذا وضعت علقة فإن الذي يصيبها نفاس؛ لأن العَلَقة تكونت؛ يعني: الماء الذي هو النطفة تكون الآن، وانقلب عن حاله إلى أصل الإنسان وهو الدم، فتيقنا أن هذا النازل إنسان.
الذي يقول: إن العبرة بالمضغة ولو غير مخلَّقة، يقول: لأن الدم يجوز أن يفسد ويمرج ولا يُنشَأ منه إنسان، فإذا صار إلى مضغة لحم، فقد تيقنا الآن أنه إنسان، فإذا نفست به فدمها دم نفاس، والله عز وجل يقول في القرآن:{مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ}[الحج: ٥] نُبيِّن لكم هذه الأطوار التي لا تعلمونها، ولعله يشمل أيضًا: نُبيِّن لكم الحكم.
والذين قالوا: إنه لا بد أن يكون هذا الساقط مضغة مخلقة، قالوا: لأنه إذا سقط ولم يُخلَّق، فيحتمل أن يكون دمًا متجمدًا أو قطعة لحم ليس أصلها الإنسان، ومع الاحتمال لا يكون نفاسًا؛ لأن النفاس له أحكام منها: إسقاط الصلاة مثلًا، وإسقاط الصيام، ومنع الزوج منها، فلا نرفع هذه الأحكام إلا بشيء متيقن، ولا نتيقن حتى يتبين فيه خلق إنسان.
وهذا هو عليه الأكثر من أهل العلم، وهو المشهور من المذهب؛ أنه لا يحكم بالنفاس إلا إذا وضعت ما تبين فيه خلق إنسان، مضغة مخلَّقة؛ يعني: بان رأسه ويداه ورجلاه، فإذا كان كذلك صار نفاسًا.
ما هي أقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان؟ أقلها واحد وثمانون يومًا؛ لحديث ابن مسعود: أربعون يومًا نطفة، ثم علقة مثل ذلك -هذه ثمانون يومًا- ثم مضغة (٦)، كم المضغة؟ أربعون يومًا، تبتدئ مِن؟ من واحد وثمانين كان مضغة، يقول الله عز وجل في القرآن:{مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}[الحج: ٥].