وكلام أبي حنيفة مبني على شيء من العقل والرأي؛ أقول: أبو حنيفة رحمه الله في قوله شيء من الرأي، فأخذ بعلة من علل بالقضاء، وأخذ بسقوط الأمر بالمشقة، فقال: إذا أغمي عليه لأقل من خمس صلوات ولَّا خمس صلوات فأقل يقضي، وما زاد لا يقضي، ولكن لا شك أن مثل هذا التقدير الدقيق يحتاج إلى دليل؛ لأن كل أحد يقدر مثل هذا التقدير، يقال له: هات الدليل، وإلا فإن تقديرك تحكم؛ فالإنسان الذي لا يشق عليه خمس صلوات لا يشق عليه ست صلوات، ليس إلا زاد فرضًا واحدًا، فيقال: ما هو الدليل على أنك تجعل هذا هو الحد، إذا لم تأتِ بدليل يدل على ذلك كان قولك مجرد تحكم ولا يُقبل.
إذن المقارنة الآن بين قول من يقول: يقضي مطلقًا أو لا يقضي مطلقًا، فإذا نظرنا إلى التعليل وجدنا أن الراجح قول من يقول: لا يقضي مطلقًا؛ لأن قياسه على النائم ليس بصحيح، النائم يستطيع أن يوقظ، أو يستيقظ إذا أوقظ، أليس كذلك؟ نعم.
أيضًا النوم كثير ومعتاد، فلو قلنا: إنه لا يقضي؛ سقط عنه كثير من الصلوات والفروض، لكن الإغماء متى يحصل؟ قد يمضي على الإنسان كل دهره ولا يغمى عليه مرة واحدة، وقد يسقط مثلًا من شاهق ويغمى عليه، وقد يصاب بمرض فيكثر عليه الإغماء، أليس كذلك؟
لكن على كل تقدير فإنه لا يمكن أن نقيس هذه الغيبوبة التي تعتبر تامة على النوم، النائم لو تأتي بالسكين تبغي تقطعه وتحزه؟
طلبة: يشعر.
الشيخ: صح، لكن المغمى عليه لو تقطعه إربًا إربًا ما شعر، فهناك فرق واضح، وأما قضاء عمار -إن صح عنه- فإنه يُحمل على الاستحباب، أو التورع، أو ما أشبه ذلك.
من زال عقله ببنج؟ هل يقضي أو لا؟
نقول: يقضي؛ لأن هذا وقع باختياره، فهو الذي أراد، بخلاف الإغماء، فلما وقع باختياره نقول له: أنت الذي اخترت، وأيضًا الغالب في البنج -فيما أعلم، قد يفوتني منه الشيء الكثير- أنه لا تطول مدته، ولَّا لا؟ الغالب أنها لا تطول.