للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تحرم الثلاث إذن؛ لأن رجلًا طلَّق امرأته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ ! »، حتى قام رجل فقال: يا رسول الله، ألا أقتله؟ ! (٩)، فدل هذا على أنه مُحَرَّم لهذا الحديث، ولأنه نوع من الاستهزاء بآيات الله، كيف ذلك؟

لأن الله تعالى جعل في الطلاق فسحة للإنسان، وإذا طلَّق ثلاثًا فكأنه تعجَّل ما جعل الله فيه الفسحة، فيكون مضادًّا لحكم الله، ولأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألزمهم بهذه الثلاث عقوبةً لهم (١٠)، والعقوبة ما تكون على فعل شيء مباح، ولقول ابن عمر حين سُئِلَ عمن طلق زوجته ثلاثًا، قال: لو اتقى الله لجعل له مخرجًا، فدل هذا على التحريم، وهذا هو القول الصحيح؛ أن إيقاع الثلاث مُحَرَّم جملة واحدة؛ لهذا الحديث، ولفعل عمر، ولأنه من اتخاذ آيات الله هزوًا، ولقول ابن عمر أيضًا.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن الطلاق الثلاث ليس محرَّمًا، وأنه جائز، وهذا مذهب الشافعي؛ أن الإنسان إذا طلق ثلاثًا فليس حرامًا، وقال: إن الدليل على عدم التحريم أن عمر أمضاه، ولو كان حرامًا لم يُمْضِه؛ لأن الحرام لا يجوز إمضاؤه؛ إذ إن إمضاء الحرام من باب المضادة لله؛ لأن الله إذا حرَّم شيئًا ماذا يريد من عباده؟ يريد من عباده اجتنابه، فإذا نفذناه هل اجتنبناه ولّا وقعنا فيه؟ إذا نفَّذْنَا المحرَّم وقعنا فيه في الواقع.

وأجاب عن الحديث بضعفه؛ حديث: «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ ! » (١١)، قال: إنه ضعيف.

ولكن لعل الشافعي رحمه الله ما بلغه الحديث على وجه يصح.

والصواب: أن الحديث أقل أحواله أن يكون حسنًا، وقد صحَّحه جماعة من أهل العلم، ثم إن العلل التي قلنا واضحة فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>