للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا القول كما ترون تعليله قوي جدًّا، وكيف يؤاخَذ الإنسان بلفظ جرى على لسانه بدون قصد؟ ! لكن الذين يقولون بالمؤاخذة به يقولون: إن اليمين حق بينه وبين الله، وقد عفا الله عنه، والطلاق حق بينه وبين غيره، الزوجة تقول: حصل اللفظ، ما عليَّ من نيته، نوى ولّا ما نوى، ما دام حصل اللفظ فهي تطالب بالفراق، هذه واحدة.

الثاني، قال: (جَادٌّ أو هازِل)، يعني معناه: أنه يقع من الجادّ ومن الهازِل، الفرق بينهما أن الجادّ قصَد اللفظ والحكم، والهازِل قصد اللفظ دون الحكم، هذا الفرق بينهما، فالجادّ قاصد اللفظ والحكم، طلَّق زوجته قاصدًا اللفظ وقاصدًا الحكم وهو الفراق، وأما الهازِل فهو قاصدٌ للفظ غيرُ قاصد للحكم، يقول مثلًا: أنا أمزح على زوجتي، أو أمزح مع صديقي مثلًا، فقلت: إن زوجتي طالق، أو ما أشبه ذلك، أمزح، ما قصدت أنها تطلُق، صحيح أنا قصدت اللفظ، لكن ما قصدت أنها تطلُق، أمزح.

نقول: الحكم يترتب عليه، لماذا؟ لأن الصيغة وُجِدَت منك، والحكم إلى الله، الصيغة وُجِدَت منك الآن، وهي: أنتِ طالق، أو زوجتي مطلَّقة، أو ما أشبه ذلك، والحكم إلى مَن؟ إلى الله، ما هو أنت اللي تتحكم فيه، ما دام وُجِد لفظ الطلاق بنية معتَبَرة من إنسان عاقل يعقل ويميز ويدري ما هو، فكونه يقول: أنا ما قصدت أن يقع، هذا ليس إليه، هذا إلى الله. هذا من جهة التعليل من جهة النظر.

أما من جهة الأثر فعندنا حديث أبي هريرة: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» (٨)، وهذا دليله من الأثر، أما من النظر فقد علمتم ذلك.

وقال بعض أهل العلم: إنه لا يقع الطلاق من الهازِل، وكيف يقع الطلاق من الهازِل وهو لم يُرِدْه، ما أراد إلا اللفظ فقط؟ !

وشنَّع بعض العلماء على من قال بوقوع طلاق الهازِل، فقال: أنتم تقولون: إنه هَزْلٌ ليس بجد، يضحك ويمزح، كيف تقولون: يقع، وتعاملونه معاملة الجد؟ !

<<  <  ج: ص:  >  >>