والثالث: أن يكون محتمِلًا للشرط المحض واليمين المحض، فهذا يُرجع فيه إلى نية المعلِّق.
هذا هو الصحيح في هذه المسألة الذي تقتضيه الأدلة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أما المذهب فإنهم يجعلون تعليق الطلاق بالشروط تعليقًا محضًا بدون تقسيم، والصواب ما ذكرنا أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: أن يكون شرطًا محضًا، والثاني: أن يكون يمينًا محضًا، والثالث: أن يحتمل هذا وهذا فيرجع إلى نيته.
مثال التعليق المحض أن يقول: إذا غربت الشمس فأنت طالق، فهذا تعليق محض، فإذا غربت طلقت؛ لأنه علَّقه على شرط محض.
ومثال اليمين المحض أن يقول: إن كلمتُ زيدًا فامرأتي طالق، وهو يقصد الامتناع من تكليم زيد، فهذا يمين محض؛ لأنه لا علاقة بين كلامه زيدًا وتطليقه امرأته، ما فيه علاقة.
والقسم الثالث: أن يكون محتملًا للأمرين، مثل أن يقول لزوجته: إن خرجتِ من البيت فأنت طالق، فهذا يحتمل أنه أراد الشرط، ويحتمل أنه أراد اليمين.
يحتمل أنه أراد الشرط بمعنى أن امرأته إذا خرجت طابت نفسُه منها، ووقع عليها طلاقه، وحينئذٍ يكون مريدًا للطلاق ولّا لا؟ مريدًا للطلاق؛ فإذا طلعت، إذا خرجت من البيت طلقت، كأنه يقول: إذا خرجت من البيت أصبحتِ امرأة غير مرغوب فيك عندي، فأنا أكرهك، فحينئذٍ يقع الطلاق؛ لأنه شرط محض.
الاحتمال الثاني: أن لا يكون قصدُه إيقاع الطلاق، وهو راضٍ بزوجته ولو خرجت، ولا يريد طلاقها، لكنه أراد بهذا أن يمنعها من الخروج، فعلقه على طلاقها تهديدًا، فإذا خرجت في هذه الحال فإنها لا تطلق؛ لأن هذا يُراد به اليمين، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»(٢)، وجعل الله عزّ وجل التحريم يمينًا؛ لأن المحرِّم ويش يريد؟ المنع أو الامتناع من الشيء، فدل هذا على أن ما قُصِد به الامتناع -وإن لم يكن بصيغة القسم- فإن حكمه حكم اليمين.