والصواب: أنها لا تطلق؛ لأن الحكم حكم اليمين، وقد ثبت أن رجلًا قال للرسول عليه الصلاة والسلام لما قال:«خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ». فقال الرجل: أعَلى أفقر مني يا رسول الله، فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني (٣). حلف على هذا، وهل هو قد فتش البيوت؟ !
طالب: لا.
الشيخ: ما فتش، ولكنه حلف على ظنه. وكذلك في القسامة -كما مر علينا- أن أولياء الدم يحلفون على القاتل، وإن كانوا لم يروه بناء على غلبة ظنهم.
كذلك أيضًا لو حلف على شيء مستقبل يظن وقوعه فلم يقع، مثل أن يقول: والله ليقدمَنَّ زيد غدًا، ثم لم يقدم فلا شيء عليه؛ لأنه حين قال: والله ليقدمن غدًا، ليس يريد الالتزام ولا الإلزام، وإنما يخبِر عما في قلبه، وما في قلبه فهو في قلبه سواء قدِم أم لم يقدم، حتى وإن لم يقدم، لو سئل لقال: نعم أنا أظن أنه سيقدم، وأنا ما حلفت إلا على شيء أظن وقوعه، وما زلت أظن وقوعه حتى غربت الشمس.
وكذلك لو كان طلاقًا فقال: عليَّ الطلاق ليقدمن زيد غدًا، فلم يقدم، وهو قصْدُه الخبر، ما قصْدُه إلزام زيد بالقدوم ولا التزامه، أن يلتزم بمجيئه به؛ فإنه لا حنث عليه. هذا هو الصواب في المسألة؛ لأن الأصل أن العبادات مبنية على غلبة الظن، هذا هو الأصل، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
طالب: والعتق كذلك؟
الشيخ: وكذلك العتق نعم.
يقول المؤلف رحمه الله:(وإن فعل بعضَه لم يحنث إلا أن ينويه)( ... ) عندكم، (وإن فعل بعضه)، أي بعض ما حلف عليه لا شك.
إن حلف على شيء ليفعلنَّه ولكنه فعل بعضه، لم يحنث إلا أن ينويه، إن فعل بعض ما حلف على كله لم يحنث إلا أن ينويه، فإن نواه؟
طالب: يحنث.
الشيخ: حنث؛ لأن الأيمان مبنية على النية.
مثال ذلك، قال: والله لآكلنَّ هذه الخبزةَ، فأكل بعضها، ما تقولون؟ يحنث؟