كيف طلاقًا بائنًا؟ طلق إحداهما طلاقًا بائنًا ونسيها، يعني فيه واحدة باقٍ له من طلاقها طلقة واحدة، فطلَّق إحداهما، طلق، عيَّن، قال: فلانة طالق، لكن نسي هل طلق التي ما طلقها من قبل، أو طلَّق التي لم يبقَ لها إلا طلقة؟ إن كان الطلاق واقعًا على التي لم يُطلقها من قبل فالأمر سهل، ماذا يصنع لو أرادها؟ يراجع، وانتهت القضية، وإن كان الطلاق واقعًا على من كانت هذه آخر طلاقها، فإنها تبين ولا تحل له، فهو الآن متردد، يقول: أنا مطلق واحدة منهما، ولكني نسيت؟ فنقول في هذه الحال: أقْرِع بينهما، فمن خرجت عليها القرعة فهي المطلقة وتحل لك الباقية، هذا هو المذهب.
ولكن جمهور أهل العلم يرون أنه لا تدخل القرعة في هذا؛ لأنه الآن اشتبه عليه امرأتان إحداهما حلال والأخرى حرام، وإذا كان كذلك فالواجب الاجتناب؛ اجتناب الجميع حتى يتبين الأمر، فإن لم يتبين ماذا نعمل؟ يُطلِّق واحدة، ثم تطلق المرأتان جميعًا، واحدة بائن، والأخرى رجعية، وهذا الأخير هو الذي اختاره الموفق في المغني ونصره، وقال: إنه قول جمهور أهل العلم، وأنه لا يعلم قائلًا بما قاله المؤلف من الصحابة، وأن الذي ورد عن الصحابة وردت فيه القرعة في باب الميراث، وليس في باب الحل؛ بمعنى أن الإنسان لو طلَّق إحدى زوجاته طلاقًا بائنًا ونسيها، ثم مات، فإنه يُقرع بينهما من أجل الإرث، لا من أجل الحل، قال: والقرعة تدخل في المال، ولكن لا تدخل في الفروج.
ولكن لا شك أن ما قاله المؤلف أقرب إلى الصواب، من حيث إنه أيسر على المكلَّف؛ لأن كوننا نقول: اجتنب المرأتين مشكل، والطلاق إنما هو وقع على واحدة. ثم إذا اجتنب المرأتين، وقلنا: لا تحل لك المرأتان، واحدة؛ لأنها بائن، والثانية؛ لأنها مطلقة، فسيترتب على ذلك شيء آخر، وهو؟