للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: ذهب إلى هذا بعض أهل العلم، وقال: إنها تحل للزوج الأول بمجرد العقد؛ لظاهر الآية الكريمة: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، والنكاح يكون بالعقد؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: ٤٩]، فأثبت نكاحًا بدون مَسّ، فالنكاح بالعقد، فعلى هذا تحل بمجرد العقد، قلنا: قد قال بهذا بعض السلف، ولكن قوله هذا مردود بالسنة الصحيحة الصريحة، فإن امرأة رفاعة القُرَظِيّ طلَّقها زوجها رفاعة ثلاث تطليقات، فتزوجت بعده رجلًا يقال له: عبد الرحمن بن الزَّبِير، ولكنه رضي الله عنه كان قليل الشهوة، فجاءت تشتكي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالت: إنها تزوجت عبد الرحمن بن الزَّبِير، وإن ما معه مثل هُدْبَة الثوب، يعني ما عنده قوة، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ ! لَا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» (٤)، وهذا نص صريح في أنه لا بد من الجماع، وعلى هذا فتكون السنة قد أضافت إلى الآية شرطًا آخر، وهذا كما أضافت السنة إلى قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] أنه لا يرث الكافرُ المسلمَ ولا المسلمُ الكافرَ (٥)، والسنة تُفَسِّر القرآن وتبينه، وتقيِّد مطلقه، وتخصص عامَّه، وتنسخه أيضًا على القول الراجح، وإن كان لا يوجد له مثال، لكنه يمكن.

فإذن نقول: الآية الكريمة يراد بها العقد على القول الراجح، لكن السنة أضافت إلى هذا شرطًا آخر؛ وهو الوطء، وعلى هذا فلا بد من الوطء، ولهذا قال المؤلف: (حتى يطأها زوج).

<<  <  ج: ص:  >  >>