وقوله:(امرأة ثقة) هذا ما مشى عليه المؤلف، وهي جادة المذهب في أن الأشياء التي لا يطلع عليها غالبًا إلا النساء يكفي فيها شهادة امرأة واحدة، والولادة الغالب أنه ما يطَّلع عليها إلا النساء، فيكفي فيها شهادة امرأة واحدة.
وأصل هذا قصة المرأة التي شهدت أنها أرضعت الرجل وزوجته، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يفارقها وقال له:«كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ ! »(٩)، أخذ الفقهاء من ذلك أن كل شيء لا يطلع عليه إلا النساء غالبًا فإنه يُكْتَفى فيه بشهادة امرأة ثقة.
طالب: ويش معنى -يا شيخ- «وَقَدْ قِيلَ»؟
الشيخ:( ... ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام اعتبر شهادة هذه المرأة وهي واحدة.
ولكن في النفس من هذا بعض الشيء؛ لأن طرد هذه المسألة في كل شيء قد يكون فيه نظر، فنقول: ما ورد به الشرع بالاكتفاء بامرأة واحدة -كالرضاع- يُكْتَفى فيه بامرأة واحدة، ولأن غير الرضاع لا يقاس عليه؛ إذ إن الرضاع يُحْتَاط فيه أكثر، بخلاف غيره من الأمور، وإذا كانت الأمور التي لا يطلع عليها إلا الرجال لا بد فيها من شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين، فكيف بالأمور التي لا يطلع عليها إلا النساء؟ ! ولهذا القول الثاني في هذه المسألة: أنه لا يُقْبَل إلا شهادة امرأتين؛ أنه وُلِد على فراشه، فإذا شهدا أنه وُلِد على فراشه لحقه نسبه، ولو كان قد قال: إن هذا الولد ليس مني؛ وذلك لأن المذهب لا لعان على نفي الولد حتى يقذفها بالزنا، فإذا قذفها ثبت اللعان، والله أعلم.
( ... ) تكذبه الزوجة، من شرط إجراء اللعان أن تكذبه الزوجة؛ أي تقول: إنه كاذب، فلو أقرت بما رماها به أقرت فإنه لا لعان، والسبب أنها أقرت، فإذا أقرت أقيم عليها الحد؛ إن كانت محصنة رُجِمَت حتى تموت، وإن كانت غير محصنة فإنها تُجْلَد مئة جلدة وتُغَرَّب عامًا.