للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (وتَحْرُم أُجرتهما) يعني: يحرم أن يعقد على الأذان والإقامة عقد إجارة؛ أي: أن أستأجر شخصًا يؤذن أو يقيم، لماذا؟ لأن الأذان والإقامة قُربة من القُرُب ومن العبادات، والعبادات لا يجوز أخذ الأجرة عليها؛ لقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: ١٥، ١٦]، ولأنه إذا أراد بأذانه الدنيا بطل عمله، فلم يكن أذانه صحيحًا؛ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (٢٣)، فتحرم الأجرة عليه.

فإذا قلنا لشخص: ألا تؤذن في هذا المسجد، قال: بلى، فيقول: كم، نعقد أجرة، ونكتب بيننا مكتب، فتلزمني وألزمك، فتعاقدا على ذلك؛ على أنه يؤذن كل وقت بدرهم، في اليوم والليلة خمسة دراهم، وبالشهر مئة وخمسين درهمًا، واتفقنا على هذا، فجاءه رجل آخر عند المسجد وقال له: يا فلان، أنت تؤذن في هذا المسجد بمئة وخمسين أنا بعطيك مئتين، وترك مسجده وراح للمسجد الآخر، يكون هذا الآن أراد بعمله الدنيا، ما همُّه أن يتعبد لله بهذا الأذان، فالأجرة فيهما حرام.

أما الجُعَالة فلا بأس بها، الجُعَالة ما فيها عقد، بل جُعْلًا لهذا المسجد، قال: من أذن في هذا المسجد فله كذا وكذا، بدون عقد وإلزام فهذه جائزة؛ لأنها جُعالة وليس فيها إلزام، فهي كالمكافأة لمن أذَّن، ولا بأس بالمكافأة لمن أذن.

<<  <  ج: ص:  >  >>