يقول المؤلف:(يلزم الإحداد)، الإحداد مصدر (أَحَدَّ يُحِدُّ)، وأما مصدر (حَدَّ يَحُدُّ) فهو (حَدًّا)، والحد في اللغة: المنْع، ومنه حدود البيت، حدود الدار، وما أشبه ذلك، فالإحداد معناه: امتناع الإنسان عن شيء مخصوص في زمن مخصوص؛ هذا الإحداد: الامتناع عن أشياء مخصوصة في وقت مخصوص. وسيأتي ما هي الأشياء التي تمتنع فيها.
وقوله:(يلزم) معناه أنه واجب، فما هو الدليل؟ الدليل استنبطه بعض أهل العلم من قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: ٢٣٤]، فإن قوله:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} دليل على أن الإحداد يُنافي هذه الرخصة، وأنه لا بد أن يكون هذا التربص تربصًا عن أشياء جائزة، ولولا ذلك لما كان لقوله:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
وكذلك من قول الرسول عليه الصلاة والسلام حينما شكوا إليه امرأة تُوفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها، قالوا: أفنكحلها؟ قال:«لَا»، فأعادوا عليه، قال:«لَا»، ثم قال:«قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ، وَإِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ»(١)، فهذا دليل أيضًا على الوجوب؛ إذن من القرآن ومن السنة.
وأيضًا الرسول نهى أن تلبس المتوفى عنها زوجها، أن تلبس ثوبًا فيه زينة، وأن تتطيب، إلا ما استُثني من قُسط أو أظفار، إذا طهرت من الحيض تتبخر به وتتبع به أثر الدم (٢)، وإلا فلا يجوز لها أن تفعل، كما سيأتي إن شاء الله.