المسألة أن المعتَبَر أن الرضاع مؤثِّر ولو بعد الحولين ولو للكبير، يعني ليس ( ... ) الحولين أو قبل الفطام هو أن الرضاع مؤثر مطلقًا.
واستدل هؤلاء بإطلاق قوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}، {أَرْضَعْنَكُمْ} ما قال: في زمن الصغر، أطلق، فمتى أرضعت المرأة الإنسان صار ولدًا لها وحرامًا عليها، كذا؟
أقول: بعضهم يقول: إنه حتى رضاع الكبير يؤثِّر؛ لأن الله أطلق؛ ولأن سالمًا مولى أبي حذيفة كان أبو حذيفة قد تَبَنَّاهُ، وكان يعد ابنًا لهم، فلما أبطل الله التبني جاءت سهلة زوجة أبي حذيفة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تشكو إليه أن هذا الولد الآن يطلع عليهم، ويجلس إليهما جميعًا هي وزوجها، وأنه يشق عليها أن تحتجب منه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ»، وهو كبير الولد، حتى إنه في بعض الأحاديث أنه قد نبت له لحية فقال:«أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ»، وهذا دليل على أن رضاع الكبير مؤثِّر؛ لأنه قال:«تَحْرُمِي عَلَيْهِ»، ومعلوم أنها إذا حرُمت عليه صار مَحْرَمًا لها، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم، خصوصًا بعض علماء أهل الظاهر أخذوا بظاهر الحديث.
ولكن الصواب خلاف هذا القول، ويدل على أن هذا ضعيف أنه لا تقوم الأدلة على الوجه الذي يستدل بها عليه؛ أما قوله:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}، فإن الله تعالى يقول:{أُمَّهَاتُكُمُ}، ما قال: والنساء اللاتي أرضعنكم، قال:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}، فمتى تكون أُمًّا لا بد أن لكونها أُمًّا من أن يكون الإرضاع لزمنه حتى تكون أُمًّا، وعلى هذا فليس في الآية دليل لهم.
وأما حديث سالم مولى أبي حذيفة فالحديث صحيح ما فيه مطعن، وثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن اختلفوا في الجواب عنه؛ فقال بعضهم: إنه منسوخ، وقال بعضهم: إنه خاص بسالم مولى أبي حذيفة.