الصورة الثالثة: تزوجته وهو موسر، ثم افتقر بإذن الله عز وجل، ليس باختياره يكون لها أن تفسخ للعلة السابقة في أول الكلام؛ أن الإنفاق عليها في مقابلة الاستمتاع، فإذا تعذر فلها أن تطالب بالفسخ، هذا هو المشهور من المذهب، واختار ابن القيم -رحمه الله- أنه لا فسخ لها إلا في الصورة الأولى، وهي ما إذا تزوجها معسرًا غاشًّا لها لم يخبرها، وقال: إنه في الصورة الثانية قد دخلت على بصيرة؛ فهي كما لو تزوجته وفيه عيب من بخر، أو برص، أو غير ذلك من العيوب، هل تملك الفسْخ بعد ذلك ولَّا لا؟ ما تملك، فهي الآن رضيت بأنه مريض بالفقر، فلا تملك الفسخ، وأما إذا كان غنيًّا، ثم افتقر فإنه أيضًا لم يحدث منه جناية ولا عدوان، والله عز وجل يقول:{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق: ٧] وهذا لم يُؤتَ شيئًا فلا يكلفه الله.
تعاليله قوية رحمه الله، قوية جدًّا؛ لكن الذين قالوا: إنها لها الفسخ استدلوا بآثار منها ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»(٩).
قال أبو هريرة: الزوجة تقول: أطعمني أو طلِّقني، فقيل لأبي هريرة: سمعتَ ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، قالها أبو هريرة من كيسه (١٠). استنبطها من الحديث، فعلى هذا قالوا: هذا قول صحابي، وأيضًا نحن لا نكلفه ما لا يستطيع، ولا نخالف الآية {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا}[البقرة: ٢٨٦].