والقصاص مفروضٌ علينا إلا إذا عفونا فقد سهل الله لنا ذلك، وكان اليهود من شريعتهم -حسب ما ذكره أهل العلم- أنه لا بد من القصاص، وأن لا سبيل إلى العفو، ولا إلى أخذ الدية، والنصارى شريعتهم عدم القصاص والتسامح، وجاءت هذه الشريعة وسطًا بين الشريعتين، فأخذت بالحزم، وأخذت بجانب الفضل، جمعت بين الحزم والفضل؛ لأن ترك القاتل دون أن يُقتل يفتح علينا مسألة عظيمة، التجرؤ على القتل وعدم المبالاة به.
ووجوب القصاص أيضًا قد تكون المصلحة تقتضي عدم القصاص؛ فلهذا جاءت هذه الشريعة بين الحزم والفضل، شاملة عادلة، والقصاص ليس كما يزعم أهل الإلحاد والزندقة حينما يقولون: إن القصاص زيادة في القتل؛ لأنه إذا قتل القاتل شخصًا ثم قتلنا القاتل، كم فات على الأمة؟
طالب: اثنان.
الشيخ: شخصان، وإذا لم نقتل القاتل، ما فات إلا شخصٌ واحد، إذن فالقصاص خطأ، ولكن نقول لهؤلاء الجماعة: هذا مما أعمى الله به بصائرهم، فإن القصاص حياة كما قال الله عز وجل:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: ١٧٩]؛ لأن القاتل إذا علم أنه سيُقتل يُقدِم على القتل ولّا لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: ما يقدم على القتل، فإذا اقتصصنا من زيد لقتله عمرًا، فإن خالدًا لا يقتل بكرًا، ولّا لا؟ لكن لو تركناه تعدد القتل وصار أكثر، ولهذا قال الله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}.
وقد اشتهرت عبارة في الجاهلية، عبارة يكتبونها -كما يقولون- بماء الذهب، وهي قولهم: القتل أنفى للقتل؛ يعني أنك إذا قتلت انتفى القتل، ولكن لا شك أن هذا العبارة نقول: إنها جيدة وبليغة، لكن عبارة القرآن أعظم منها بكثير، ونحن لا نريد أن نقارن بين كلام الله تعالى وكلام البشر، لكن نريد أن نبيِّن أن القرآن في غاية ما يكون من البلاغة؛ ففي القرآن إثبات لكم، وفي العبارة هذيك نفي، ولّا لا؟ والإثبات أحق بالقبول من النفي.