النوعُ الثاني (الْجِراحُ) فيُقْتَصُّ في كلِّ جُرْحٍ يَنْتَهِي إلى عَظْمٍ، كالموضِّحَةِ وجُرْحِ العَضُدِ والساقِ والفَخِذِ والقَدَمِ، ولا يُقْتَصُّ في غيرِ ذلك من الشِّجاجِ والْجُروحِ غيرِ كسْرِ سِنٍّ، إلا أن يكونَ أعظَمَ مِن الموضِّحَةِ، كالهاشِمَةِ والْمُنَقِّلَةِ والْمَأمومةِ فله أن يَقْتَصَّ مُوَضِّحَةً، وله أَرْشُ الزائدِ، وإذا قَطَعَ جماعةٌ طَرْفًا أو جَرَحُوا جُرْحًا يُوجِبُ الْقَوَدَ فعليهم الْقَوَدُ، وسرايةُ الجِنايةِ مَضمونةٌ في النفْسِ فما دونَها، وسِرايةُ الْقَوَدِ مَهدورةٌ، ولا يُقْتَصُّ من عُضْوٍ وجُرْحٍ قبلَ بُرْئِه كما لا تُطْلَبُ له ديةٌ.
فإنه لا يجوز أن نأخذ يد الجاني بيد المجني عليه، لماذا؟ قالوا: لتفاوت ما بين اليدين؛ هذه معطلة المنفعة، التي هي يد من؟
طالب: المجني عليه.
الشيخ: يد من؟
طلبة: الجاني.
الشيخ: لا، المجني عليها، ويد الجاني ثابتة المنفعة، سليمة، فلم تستويا، وحينئذٍ لا يثبت القصاص؛ لأن يد الجاني أكمل، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، ومنهم المذاهب الأربعة، وحكاه بعضهم إجماعًا.
وقال داود الظاهري: إنها تؤخذ اليد الصحيحة بالشلاء؛ لعموم الآية {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}[المائدة: ٤٥]، فالآية عامة، وقول النبي عليه الصلاة والسلام لأنس بن النضر:«كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ»(١).
وقوله: يد الجاني أكمل، نقول: إن الجاني هو الذي أراد ذلك لنفسه، وهو الذي جنى على نفسه في الواقع؛ لأنه فعل سببًا يقتضي قطع يده، فيكون هو المتسبب، وعلى نفسها جنت براقش، فعلى هذا تؤخذ اليد الصحيحة باليد الشلاء.
قال: وكما أننا نقتل الرجل العاقل الشاب الجلد بالرجل الأشل الكبير السن المجنون، فهكذا هذه اليد نأخذها باليد الشلاء، عرفتم ولَّا لا؟