وذهب آخرون إلى قول وسط؛ وهو أن الكفار كلهم على النصف من دية المسلم، واستدلوا بالحديث الذي أشرنا إليه -وهو الحديث الصحيح؛ لكثرة شواهده- أن عقل الكفار نصف عقل المسلمين (٦)، وهو عام، قالوا: وتخصيص الكتابي ببعض الألفاظ أو تقييده ببعض الألفاظ لا يقتضي تخصيص الحكم أو تقييده؛ لأن لدينا قاعدة في العام والخاص، وهو أن ذكر بعض أفراد العام بحكم يطابق العام لا يقتضي التخصيص، كما لو قلت: أكرم الطلبة، ثم قلت: أكرم زيدًا، وزيدٌ منهم، هل معنى ذلك أن الكلام الثاني يخصص الأول؟ لا، لكن لو قلت: أكرم الطلبة، وزيد منهم، ثم قلت: لا تكرم زيدًا، صار في العموم تخصيص ولَّا لا؟ صار فيه تخصيص، ما هو التخصيص؟ أننا أخرجنا زيدًا من العموم، بخلاف ما إذا ذكرناه بحكم يوافق العام، فإن ذلك لا يقتضي التخصيص.
وأما قول بعضهم: إن هذا الحديث -في عقل الكتابي نصف عقل المسلم- أنه مفهوم لقب، ومفهوم اللقب عند جمهور أهل العلم غير معتبر؛ لأن المفهوم المخصص عندهم هو الذي يتضمن معنى يكون من أجله التخصيص، أما مجرد اسم زيدٍ وعمرٍو وبكرٍ هذا ما يكون، أو ثوب، أو حجر، أو أسد ما فيه معنى يقتضي التخصيص، فإنه يسمى مفهوم لقب، ولا عبرة به.
فجوابنا على هذا: أن مفهوم أهل الكتاب ليس من باب مفهوم اللقب؛ لأن أهل الكتاب المفهوم فيهم مفهوم وصف؛ لأن معنى أهل الكتاب المنتسبون إلى اليهود والنصارى، وهذا وصف، وله معنى.