للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ولا مخالف لدين الجاني) مخالف لدينه؛ يعني: بأن يكون الجاني مسلمًا والآخر كافرًا، أو بالعكس؛ لأنه ليس من أهل النصرة؛ إذ إن الفصل بين المسلم والكافر ولو كان أقرب قريب ثابت شرعًا وعقلًا، قال الله تعالى لما قال نوح: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: ٤٥] قال له: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: ٤٦]، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» (٣)، وإذا انقطع التوارث انقطع التعاون والتناصر، فلا يُحْمَل المخالف في الدين شيئًا من العقل. نزيد شرطًا خامسًا؛ وهو اتفاق الدين.

وظاهر كلام المؤلف حتى في الولاء، خلافًا لما قالوه في باب الفرائض؛ حيث قالوا: إن اختلاف الدين لا يمنع التوارث، وسبق لنا أن الصواب أن اختلاف الدين يمنع التوارث حتى في الولاء، وهنا قال: (ولا مخالف لدين الجاني). هذه خمسة شروط.

الشرط السادس: أن تكون الجناية خطأ أو شبه عمد؛ لقوله: (ولا تحمل العاقلة عمدًا محضًا) فبقوله: (عمدًا) خرج الخطأ، وبقوله: (محضًا) خرج شبه العمد، فلا تحمل عمدًا محضًا، لكنها تحمل الخطأ وشبه العمد.

والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حمَّل الدية في المرأتين اللتين اقتتلتا من هذيل بالدية على العاقلة في شبه العمد (٤)، فالخطأ من باب أولى، والخطأ بالإجماع -بإجماع العلماء- أن العاقلة تحمله، وفي شبه العمد خلافٌ، والصحيح أنها تحمله.

إذن فيُشترط شرطًا سادسًا؛ وهو ألَّا تكون الجناية عمدًا، يعني إذن شبه العمد والخطأ. وهنا يحصل التساؤل: لماذا نحمل العاقلة الدية مع أن الجاني غيره؟

والجواب على ذلك من وجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>