للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوجه الأول: أن هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب علينا الاستسلام له؛ لأن حقيقة الإسلام لا تتم إلا بالاستسلام لما حكم به الرسول عليه الصلاة والسلام، قال الله عز وجل: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥].

فإذا قال القائل: سلمنا لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن كيف نجيب عن قول رب الرسول سبحانه وتعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر: ١٨]؟

فالجواب: أن هذا في الذنوب والآثام؛ {لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} هذا في الذنوب والآثام. وأما في النصرة والمساعدة والمعاونة فذاك شيء آخر، فإيجاب الدية على العاقلة من باب النصرة والمعاونة، كما أوجبنا على الغني الإنفاق على من؟ على قريبه الفقير.

أما قوله سبحانه وتعالى: {لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فهذا في الذنوب والآثام، آية أخرى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: ٣٦ - ٣٩]، وقد أجمع العلماء على أن الرجل لو وهب للإنسان شيئًا من ماله الذي حصله بكسبه وكده، فذلك جائز ولَّا ممنوع؟ جائز، وهو ليس من سعي المعطى، فدلَّ ذلك على أن المراد بالآية الذنوب والآثام {لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.

أما الوجه الثاني لتحميل العاقلة الدية، إحنا ذكرنا وجهين وتلونا الدليل من السنة، والوجه الثاني: أن الخطأ يقع كثيرًا من الإنسان، ولو حملناه كل خطأ يقع منه لاستنفذنا ماله، فكان من الحكمة أن يُنَاصر ويُعَاون.

<<  <  ج: ص:  >  >>