للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولًا: كذب من قال: إنه بطل أجره، قال العلماء: والكذب هنا بمعنى الخطأ؛ يعني: أخطأ؛ لأنه لم يطابق قوله الواقع؛ لأنهم هم ما أخبروا عن شيء حدث، إنما قالوا قولًا ظنوه، فكلامهم هذا إنشاء وليس خبرًا، فقال: «كَذَبُوا»، وهذا أحد المواضع الذي يكون شاهدًا، الذي يستشهد ( ... ).

كما يقال: شعرٌ شاعرٌ؛ يعني: شعر جيد جدًّا، و «جَاهِدٌ مُجَاهِدٌ» يعني: أنه جاهد جدًّا.

وقيل: بل معنى الجاهدِ الجادُّ في الأمور، والمجاهد: المجاهد في سبيل الله، وهذا التفسير أحسن؛ لأنه إذا دار الأمر بين كون الكلام تأسيسًا أو توكيدًا حُمِل على أنه تأسيس؛ لأننا إذا حملناه على التوكيد ألغينا مدلول الكلمتين، فإذا حملناه على التأسيس عملنا بمدلول الكلمتين، فعلى هذا يكون الأحسن في تفسيره أنه جاهد في أمره؛ جاد، ومجاهد في سبيل الله، فيكون الرسول عليه الصلاة والسلام أثنى عليه من جهة العمل والجد فيه، ومن جهة الإخلاص أنه مجاهد في سبيل الله.

الثالث: قال: «لَهُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ»، كيف له الأجر مرتين؟ لأن الرجل بارز، وهذا أجر، وقتل نفسه في سبيل الله، وهذا أجر آخر؛ ولذلك كان له الأجر مرتين، ودعا له الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: إن عليه كفارة، ولو كانت الكفارة واجبة عليه لبيننها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لدعاء الحاجة إلى بيانها.

ثم إنك إذا قرأت الآية ظهر لك منها أن المراد غير قاتل نفسه؛ لأنه قال: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا}، ولا تجتمع الدية مع الكفارة إلا فيما إذا كان المقتول غير نفسه، أما إذا قتل نفسه فإنه لا تجب الدية بالاتفاق، فسياق الآية يدل على أن المراد من قتل غيره، وهذا القول أرجح؛ يعني: ليس من جهة الآية، الآية قد ينازع فيها منازع، لكن من جهة قضية أو قصة عامر بن الأكوع رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>