للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تبين الآن أن القسامة ليست شاذة عن أصول الدعاوى؛ لأن في الدعاوى ما يشهد لها، والقسامة فيها قرائن ترجح جانب المدعين؛ وهو اللوث؛ أي: العداوة الظاهرة، كما سيأتي في شرح المؤلف.

بقينا الوجه الثاني للمخالفة أن فيها تكرار الأيمان ولا غيرها من الدعاوى، يتكرر فيها الأيمان ولَّا يمين واحدة؟ يمين واحدة، والقسامة تُكرر، لماذا؟ نقول: لعظم شأن الدماء.

مسألة الدعوى في دم بحيث إذا أقدم هؤلاء على اليمين وحلفوا خمسين يمينًا أُعطوا الرجل وقتلوه، وهذا أبلغ ما يكون من الخطر، فمن أجل ذلك كررت خمسين يمينًا.

ويبقى النظر لماذا جعلت خمسين يمينًا ولم تجعل عشرة أيمان مثلًا؟

نقول: هذا ليس إلينا، كما أن هذا لا يرد على أن صلاة الظهر أربع ركعات، ولم تجعل ثماني ركعات مثلًا.

الحاصل أن كونها بخمسين أو بعشرة أو بعشرين هذا ليس إلينا، المهم أن نفهم وجه الحكمة في تكرار الأيمان.

الوجه الثالث: كيف يحلف الإنسان على شيء لم يره؟

نقول: نعم، للإنسان أن يحلف على شيء لم يره اعتمادًا على القرائن، وغلبة الظن له أن يحلف اعتمادًا على القرائن وغلبة الظن.

والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان، حين قال: واللهِ ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني (٩). ما قال له: ما تحلف؛ لأنك ما تدري، بل أقره؛ لأن عنده غلبة ظن ( ... ).

(أيمان مكررة) (أيمان) جمع يمين؛ وهو الحلف. (مكررة) كم قدرها؟ خمسون يمينًا.

(في دعوى قتل معصوم) أفادنا المؤلف (في دعوى قتل) أنها لا تكون في دعوى جرح، ولا في دعوى مال، وإنما تكون في دعوى قتلٍ فقط، فالمال ليس فيه قسامة، وكذلك ما دون القتل؛ كالجروح والأعضاء، وما أشبه ذلك.

فلو أن رجلًا ادعى على عدوه أنه قطع يده، والعداوة بينهما ظاهرة بينة، فإننا لا نجري القسامة في ذلك؛ لأن القسامة إنما جاءت في القتل، وأما الأعضاء والأطراف والجروح فليس فيها قسامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>