للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذن ماذا نصنع لو ادعى أن هذا الرجل -وهو من أعدائه الظاهرين- قطع يده، نقول: هل لك بينة أو يقر المدعى عليه، وإلا يحلف المدعى عليه وينتهى؟ ما هو الدليل على امتناعها في دعوى الأعضاء والجروح؟

الدليل: تعليل؛ قالوا: لأن القسامة إنما وردت في دعوى القتل، وهي خارجة عن الأصول والقياس، وما خرج عن الأصول والقياس فلا يُقَاس عليه، وإنما يقتصر فيه على ما ورد؛ لأنه لا مدخل للعقل فيه.

وقال بعض أهل العلم: بل إنه تجرى القسامة في دعوى قطع الأعضاء والجروح.

وعللوا ذلك بأنه لما جرت القسامة في القتل -وهو أعظم من قطع العضو أو الجرح- كان جريانها فيما دون ذلك من باب أولى.

وليست القسامة خارجة عن الأصول، بل الأصول في الحقيقة تشهد لها؛ لأننا لو لم نعمل بالقسامة لضاعت الدماء وهتكت النفوس، فالأصول تشهد لها؛ لأن لدينا لوثًا؛ وهو القرينة الظاهرة التي تؤيد دعوى المدعي، فلا فرق إذن بين النفس وما دونها، لكن المذهب -كما ترون- لا تُجرى إلا في القتل.

قال المؤلف: (في دعوى قتل معصوم) (معصوم) أما دعوى قتل غير المعصوم فإنها لا تسمع أصلًا؛ يعني: لو أن أحدًا من الكفار الحربيين ادعى أن مورثه الحربي قتله مسلمون، هل تُسمع الدعوى؟ لا تُسمع؛ لأنه وإن ثبت أنهم قاتلوه فلا شيء عليهم؛ لأنه حربي غير معصوم.

وكذلك لو كان مباح الدم لِرِدَّتِه، أو مباح الدم لزناه وهو محصن، أو مباح الدم لوجوب قتله في حد قطع الطريق مثلًا؛ فإن هذا غير معصوم، فلا تُسمع الدعوى في قتله؛ وذلك لأنه وإن ثبت القتل فإنه غير مضمون، فيكون تشكيل الدعوى وسماعها من باب اللغو الذي لا فائدة منه.

وهذه قال: (في دعوى) فهمنا أن الذي يحلف من؟ المدعي، ما قال في دفع دعوى، ولا قال: في قتل، بل قال: (في دعوى)؛ ولهذا كانت في جانب المدعي.

قال المؤلف: (من شروطها اللوث) القسامة لها شروط لا بد أن تتعين، وقبل أن نذكر شروطها نذكر ما هو أصلها، هل لها أصل في الشرع؟

<<  <  ج: ص:  >  >>