للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أشدُّه) يقول المؤلف: (جلد الزنا)؛ وجه ذلك: قوله تعالى: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: ٢]، وهذا يدل على أننا نشتد في ذلك، ما تأخذنا فيهم رأفة في دين الله، ولأنه أكثر عددًا، وإذا كان الشارع راعى كثرة العدد فإن الصفة تتبع العدد، لولا أنه يجب أن يكون أقوى في الصفة ما كان أكثر عددًا، فعندنا في ذلك دليل وتعليل.

(ثم القذف) القذف أشد مما بعده؛ لأن جلده أكثر؛ إذ إن القاذف يُجلد ثمانين جلدة يعني: مئة إلا عشرين، فهو الذي يلي جَلد الزنا في العدد، في الكمية، فينبغي أن يكون واليًا له في الكيفية.

(ثم الشرب) الشرب يعني: شرب المسكر، وكل مسكر فهو خمر من أي نوع كان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» (١٦) أو «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» (١٧)، وعلى هذا فنقول: الذي يلي جلدَ القذف جلدُ شرب المسكر، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر الخلاف؛ هل جلد شارب المسكر حد أو تعزير؟

قال: (ثم التعزير) يعني: ثم جلد التعزير، كم جلد التعزير؟

المذهب أنه لا يزاد، لا يزاد على عشر جلدات إلا في مسائل يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى في باب التعزير، وعلى هذا فيكون التعزير من عشر جلدات فأقل؛ يعني: لو وجدنا رجلًا قد سهر مع امرأة طول الليل وهو يقبلها ويضمها ويجامعها فيما دون الفرج، ومتمتع معها غاية التمتع إلا أنه لم يجامعها وعثرنا عليهم في الصباح وأقروا بذلك نجلدهم على عشر جلدات، ومن أهون الجلد لكن سيأتينا أن هذا القول ضعيف جدًّا، ولا تقوم مصالح الناس بمثله، ولا تندرأ المفاسد بمثل هذا القول أبدًا.

إذن شدة الجلد مرتبة على كثرته؛ لأن الكيفية تابعة للكمية، فأشد الجلد جلد الزنا، ثم القذف، ثم الشرب، ثم التعزير.

<<  <  ج: ص:  >  >>