للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ثم اختلف العلماء؛ فالذين قالوا: لا يحفر؛ قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفر للمرأة التي زنا بها أجير زوجها، بل قال لأُنَيْس: «اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» (١٨)، ولم يأمره بالحفر لها، وعدم الأمر في وقت الحاجة يدل على عدم الوجوب؛ لأن الحاجة داعية إلى ذكره لو كان واجبًا، لم يقل: اغدُ إليها فإن اعترفت فاحفر لها وارجمها، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يحفر لليهوديين اللذَين زنيا، وقد مرت الإشارة إليهما حيث زنا رجل يهودي بامرأة يهودية ثم ارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم، وكان الحد الرجم في التوراة، لكن لما كثر الزنا في أشرافهم قالوا: لا يمكن أن نعدم أشرافنا، إذن ماذا نصنع؟ نسوِّد وجوههما، ونطوف بهما على القبائل أو ما أشبه ذلك مما يؤدي إلى الخزي والعار، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ووقع الزنا من رجل منهم وامرأة قالوا: اذهبوا إلى هذا الرجل -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- لعلكم تجدون عنده شيئًا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمهما، وقال: «إِنَّ هَذَا هُوَ حُكْمُ التَّوْرَاةِ». قالوا: لا نجد ذلك في التوراة فقال: «ائْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» (١٩)، فأتوا بها، فإذا هي واضحة؛ موجود الرجم، فأمر بهما فرُجما، قال: فرأيت الرجل يقيها الحجارة منكبًّا عليها، وهذا دليل على أنه لم يُحفرْ لهما.

أما حديث ماعز فاختلفت الروايات فيه؛ في مسلم نفسه ففي بعضها: أنه لم يحفر له (٢٠) نصًّا صريحًا، وفي بعضها: أنه حفر له (٢١).

جمع بعض العلماء بينهما بأن نفي الحفرة؛ يعني: لم يحفر له حفرة عميقة، وإثباتها أنه حفر له حفرة يتمكن من أن يهرب منها؛ لأنه هرب، ولكن بعض ألفاظ الصحيح تدل بصراحة على أنه ما حفر له إطلاقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>