للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالإقرار لكن له شروط، قال المؤلف: (أن يُقِرّ به أربع مرات)، لا بد أن يُقِرّ أربع مرات، فيقول: إنه زنى، ثم يقول: إنه زنى، ثم يقول: إنه زنى، ثم يقول: إنه زنى.

وما الدليل على ذلك؟

الدليل على هذا النص والقياس؛ أما النص فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُقِم الحد على ماعز بن مالك حتى أَقَرّ أربع مرات، كان يأتي ويُقِرّ فيُعْرِض عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى أَقَرّ أربع مرات، فلما أقر أربع مرات قال: «ارْجُمُوهُ». (٣)

وأما القياس: فلأن الزنى لا يثبت إلا بشهادة أربعة رجال، كما قال الله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: ١٣]، فإذا لم يثبت إلا بأربعة شهداء فإنه يقاس عليه الإقرار، فلا يثبت إلا بإقرار أربع مرات.

وأما النظر: فلأن الزنى فاحشة وأمر عظيم، ولا ينبغي أن يُوصَف به الإنسان إلا بزيادةِ تَثَبُّت، وذلك بأن يُكَرِّر أربع مرات.

فهذا وجه كونه يُشْتَرَط أن يكون الإقرار أربع مرات، هذا وجه اشتراطه.

فصار عندنا دليل من السنة، والثاني من القياس على الشهادة، والثالث الاحتياط؛

لأن الزنى أمره عظيم، وهو فاحشة مُدَنِّسَة للعِرْض، ثم إنه يُخْشَى إذا حصلت أن تهون في نفوس المجتمع فيؤدي ذلك إلى فساده، ولهذا تجدون المنكَرات إذا قَلّ وقوعها في الناس ثم فُعِلَت تجد الناس يستنكرونها وينفرون من فاعلها، فإذا فعلها آخر وثالث ورابع وخامس هانت عند الناس.

ولهذا من الأمثال المضروبة يقولون: مع كثرة الإمساس يقل الإحساس.

وهذا أمر مشاهَد؛ كنا قبل زمان نستنكر غاية الاستنكار أن نسمع العود والربابة والأشياء هذه، آلات اللهو، نستنكرها، ولا يفعلها أحد إلا مُخْتَفٍ وفي حجرة بعيدة، ولَّا في فلاة بعيدة من البَرّ، وأصبحت الآن أمرًا مألوفًا؛ لأنها كثُرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>