للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقي علينا أن نجيب عن أدلة القائلين بالتكرار، وأقوى حديث لهم هو حديث ماعز.

حديث ماعز -رضي الله عنه- يظهر من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم له أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستثبت الخبر؛ لأنه سأله: «هَلْ بِكَ جُنُونٌ؟ »، قال: لا، فأرسل إلى قومه وقال لهم: «هَلْ مَاعِزٌ بِهِ جُنُونٌ؟ »، قالوا: لا، إنه من صالح رجالنا في العقل، ثم قال: «هَلْ شَرِبْتَ الْخَمْرَ؟ »، فقال: لا، حتى إنه أمر رجلًا أن يَسْتَنْكِهَهُ (٥) -يَشَمّ رائحته-.

وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان عنده بعض الشك في إقرار هذا الرجل وأراد أن يستثبت.

ودليل هذا أن قصة العَسِيف ما فيها إلا أنه قال: «إِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا». (٢) والفعل مُطْلَق يَصْدُق بالواحد.

وكذلك قصة الرجلين اليهوديين الزانيين، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر برجمهما (٦) ولم يُذْكَْر أنهما كَرَّرَا الإقرار.

وكذلك الغامدية أمر النبي عليه الصلاة والسلام برجمها، ولم يُذْكَر أنها كَرَّرَت الإقرار، حتى إنها قالت: يا رسول الله، تريد أن تُرَدِّدَنِي كما رَدَّدْتَ ماعزًا؟ (٥)

وهذا القول أرجح أنه ليس بشرط، لا سيما إذا كان الأمر قد اشتهر، كما في قصة العَسِيف، فإن هذه القصة اشتهرت؛ لأن أباه -أي أَبَا العَسِيف- ذهب يسأل الناس، ويش اللي عليه؟ وقيل له: إن على ابنك مئة شاة وليدة، فافتداه بذلك، حتى حصلت المخاصمة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقضى بينهما بكتاب الله. (٢)

فالآن عندنا قولان في المسألة؛ القول الأول: أنه لا يُشْتَرَط تكرار الإقرار.

والقول الثاني: أنه شرط.

ولكن القولين يتفقان في أنه إذا قام عند الحاكم شبهة فإن الواجب التأكد والاستثبات، هذا مُتَّفَق عليه.

ولو قال قائل بقول وسط؛ بأنه إذا اشتهر الأمر واتضح بين الناس فإنه يُكْتَفَى فيه بإقرار مرة، بخلاف ما إذا لم يشتهر فإنه لا بد فيه من تكرار الإقرار أربعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>