للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا لا يمكن؛ لأن هذا حكم مُعَلَّق على وصف، ثبت ولَّا ما ثبت؟ ثبت، فبمجرد ما ثبت الإقرار ثبت الحد، فما الذي يرفعه؟

قالوا: وأما ( ... ) استدلوا بالسنة، قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأُنَيْس: «اغْدُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» (٢)، إن اعترفت فارجمها، ولم يقل: ما لم ترجع. وإذا كان لم يقله مع أن الحاجة تدعو إليه عُلِمَ أنه ليس بشرط ألَّا يرجع عن إقراره حتى يتم عليه الحد؛ لأن الشرط لا بد أن يتم، وإلا لا يمكن أن يطبَّق الحكم بغير تمام الشرط.

قالوا: وأما قولكم: إن ماعزًا -رضي الله عنه- رجع عن إقراره، فهذا قول بلا علم، وماعز -رضي الله عنه- ما رجع عن إقراره أبدًا، وهَرَبُه لا يدل على رجوعه عن إقراره إطلاقًا، ومن ادعى أن ذلك رجوعًا عن إقراره فقد قال قولًا بلا علم، وقد حرَّم الله علينا أن نقول بلا علم في قوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦].

نعم، ماعز هَرَبُهُ قد يكون رجوعًا عن طلب إقامة الحد عليه، فهو بالأول يريد أن يقام عليه الحد، وبالثاني أراد ألَّا يقام عليه الحد، وتكون التوبة بينه وبين الله، ولهذا قال الرسول: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ؟ ! » (٨)، فدل هذا على أن حكم الإقرار باقٍ ولّا لا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: لأنه لا توبة إلا من زنى، فحكم الإقرار باقٍ، ما قال الرسول: هَلَّا تركتموه؛ لأنه ارتفع اقراره، قال: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ؟ ! ».

ونحن نقول: إن قصة ماعز ما فيها دليل إطلاقًا على رجوعه عن الإقرار، لكن فيها دليل على أنه رجع عن طلب إقامة الحد عليه، وأراد أن يكون ذلك بينه وبين ربه، وهذا هو معنى قوله عليه الصلاة والسلام: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ؟ ! »، وحينئذ لا يكون في الحديث دليل على ما زعمتم، بل إن لم يكن دليلًا عليكم لم يكن دليلًا لكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>