للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكونه دليلًا عليهم أقرب من كونه دليلًا لهم؛ لأن إقرار الرسول أنه يتوب دليل على ثبوت الذنب في حقه، ولو كان ذلك يرفع مقتضى إقراره لارتفع عنه حكم الذنب.

ولهذا لو جاءنا رجل يُقِرّ بأنه زنى ويطلب إقامة الحد، ولَمَّا هيَّأنا الآلة لنقيم عليه الحد، وأتينا بالقلاب مملوءًا حصى لأجل أن نرجمه، ونظر إلى الحصى، قال: يا جماعة، دعوني أتوب إلى الله، ويش نقول له؟

يجب أن ندعه يتوب إلى الله؛ لأن الرسول قال: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ؟ ! ». (٨) حينئذ نقول: ندعه يتوب فيتوب الله عليه.

أما لو قال: والله ما زنى، فرق بين المعنين؛ لأن هذا الرجل يريد أن يرفع عن نفسه وصفًا ثبت عليه بإقراره.

ولو أننا قلنا بقبول رجوع الجاني عن إقراره كان ما يقام حد في الدنيا؛ لأن كل مَن عرف إنه سيُحَدّ ربما يرجع، إلا أن يشاء الله، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله- في الفتاوى: إنه لو قلنا: إن الإنسان يُقْبَل رجوعه في إقراره، كل إنسان يخشى من العقوبة، كان بالأول عنده عزم على أن يُطَهِّر نفسه بالعقوبة، ولكن تأخَّر يقول: ما حصل منه هذا الشيء.

فهناك فرق بين الرجوع في الإقرار وبين الرجوع عن طلب إقامة الحد، وهو ظاهر جدًّا.

وأما قولكم: إنه يقاس على الشهادة، فهذا قياس في غاية الضعف؛ لأن الشهود خطؤهم أو عدوانهم ممكن ولّا لا؟

خطؤهم بحيث يظنون أن هذا الرجل هو الذي زنى، وهو غيره، لكنه شبيه به، فيعتقدون اعتقادًا جازمًا أن هذا هو الرجل، فيشهدون على ما اعتقدوه، والواقع أنه غيره، ممكن هذا ولّا لا؟

لكن هل يمكن للإنسان أن يخطئ في نفسه، يقول: إنه زنى، وهو ما زنى؟

طلبة: لا.

الشيخ: ما يمكن هذا.

أيضًا قد يكون الشهود ما عندهم خطأ، لكن عندهم عدوان، أرادوا أن يُوَرِّطُوا هذا المشهود عليه، فشهدوا عليه بالزنى وهو ما زنى أصلًا، ممكن هذا ولّا لا؟

يمكن العدوان، لكن عدوان الإنسان على نفسه بعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>