للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: يسقط بالعفو؛ ظاهر كلامه ولو كان بعد رفعه إلى الإمام أو الحاكم؛ لأنه حق للمقذوف؛ حق محض، يُقام بأمر الله لاستيفاء حق المقذوف؛ بخلاف السرقة، فإن الرجل لو سُرِق ماله فإن له ألا يطالِب السارق، والإمام لا يتعرض للسارق ما دام المسروق منه لم يطالبه، ولكن إذا رفع الأمر إلى ولي الأمر فإنه لا يملِك إسقاطه، والفرق بينهما ظاهر؛ لأن السرقة فيها شائبتان؛ فيها شائبة حق الآدمي، وهو ضمان المال، وشائبة قطْع اليد؛ وهو حق لله عز وجل؛ فلهذا صار بين بين إن رُفع إلى القاضي لم يملك المسروق منه إسقاطه، وإن لم يُرفع فله ألا يطالب.

قال: (ولا يستوفى بدون الطلب).

[باب حد المسكر]

ثم قال المؤلف: (باب حد المسكر) (حد) هل المراد تعريف المسكر ولَّا عقوبة المسكر؟

طلبة: العقوبة.

الشيخ: العقوبة، وعُلِم من كلام المؤلف أن عقوبة السكران حد، لا يُتجاوز، ولا يُنقص؛ لأن جميع الحدود التي رتبها الشارع على الجرائم لا تُزاد ولا تُنقص، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم؛ فمنهم من يرى أن عقوبة شارب المسكِر من باب التعزير الذي لا يُنقَص عن أربعين جلدة؛ لأن هذا أقل ما رُوِي فيه، ولكن للحاكم أن يزيد عليه إذا رأى المصلحة في ذلك، وهؤلاء استدلوا بأن الله سبحانه وتعالى لم يذكر حدَّهُ في القرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر حدَّهُ في السنة، بل قال: «إِذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ» (٤) ولم يُبيِّن؛ ولأن هذان دليلان.

والثالث: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا أُتي بالشارب قاموا إليه يضربونه بالجريد، والنعال، وطرف الرداء، والأيدي (٥)، وما أشبه ذلك، ولو كان هذا حدًّا لا يتجاوز لوجب ضبطه، وألا يكون كل من جاء ضرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>