(وإذا شربه المسلم مختارًا عالِمًا أن كثيره يسكر فعليه الحد)(إذا شربه مسلم) خرج به من ليس بمسلم حتى وإن كان ملتزمًا كالذمي فإنه لا يُحدُّ، إنما إذا شربه المسلم؛ لأن المسلم هو الذي يعتقد تحريمه، أما غير المسلم فإنهم لا يعتقدون تحريمه؛ ولهذا لا يُقام عليهم الحد إذا شربوا الخمر، لكنهم يُمنعون من إظهاره في بلاد المسلمين.
الشرط الثاني:(مختارًا)، فإن كان مكرهًا فإنه لا حد عليه؛ لقوله تعالى في الكفر وهو أعظم الذنوب:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النحل: ١٠٦]، ولكن المكره على فِعْل المعصية تارة يفعلها لدفع الإكراه، وتارة يفعلها لذاتها، فهل الآية عامة، والأحكام عامة أو خاصة بمن فعله لدفع الإكراه؟
اختلف في هذا أهل العلم؛ فمنهم من قال: إنه إذا وُجِد الإكراه فإن الإنسان، وإن اختار الفعل لا يُعاقَب عليه، ومنهم من قال: يُشترط لعدم العقوبة أن ينوي دفع الإكراه لا ذات الفعل، فلو أن رجلًا أُكره على شُرب الخمر، قيل له: إما أن تشرب هذه الكأس، وإما أن نقتلك. قال: ما دمتم أكرهتموني هات، فشربها اختيارًا لا لدفع الإكراه، فهل يُحدُّ؟ ينبني على القولين؛ إن قلنا بأنه لا يحد؛ لأن الإنسان قد لا يكون في نفسه تلك اللحظة، قد لا يكون في نفسه إرادة دفع الإكراه، وإنما يقول: أكرهت على هذا الفعل فسأفعله، وهذا هو الأقرب؛ بدليل أنه لولا أنه أكره ما شرب، وأما القول بأنه لا بد أن ينوي دفع الإكراه فإنه يُحد، إذا قال: أنا شربته تشهيًّا لا دفْعًا للإكراه فإنه يُحد، والصحيح أنه لا يُحد.