ولقوله تعالى:{وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}[البقرة: ١٩١]، فأمر بقتلهم حتى عند المسجد الحرام مع حرمته وتعظيمه.
فالحاصل أنه يجب الدفع عن نفسه، لكن هل يُسْتَثْنَى من هذا شيء؟
اختلف العلماء في ذلك؛ فقال بعضهم: يُسْتَثْنى من ذلك حال الفتنة -نعوذ بالله من الفتن- إذا اضطرب الناس وافتتنوا وصار بعضهم يقتل بعضًا، لا يدري القاتل فيما قَتل، ولا المقتول فيما قُتِل؛ فتنة مائجة، فإنه في هذه الحال لا يلزمه الدفع.
واستدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام:«إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي»، فقيل: يا رسول الله، أرأيت إن دخل بيتي؟ -يعني: هل أقتله أم لا؟ - قال:«لَا تَقْتُلْهُ»(٢).
وقال عليه الصلاة والسلام:«فَإِنْ بَهَرَكَ السَّيْفُ أَوْ شُعَاعُ السَّيْفُ فَأَلْقِ رِدَاءَكَ عَلَى وَجْهِكَ»(٣)؛ يعني: واستسلم.
واستدلوا أيضًا بفعل عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فإن الصحابة طلبوا منه أن يدافعوا عنه الذين خرجوا عليه، ولكنه رضي الله عنه أبى، وقال: لا تقاتلوا (٤)، فإذا كان فتنة فلا تُقَاتِل.
والصواب أن الفتنة إذا كان يترتب على المدافعة -يترتب عليها- شرٌّ أكبر، أو كانت المدافعة لا تُجْدِي؛ لكثرة الغوغاء، ففي هذه الحال لا يجب الدفع، وإلا وجب الدفع؛ لما ذكرنا فيما سبق.
وتحمل النصوص الواردة على ذلك على هذه الحال، وكذلك ما ورد عن عثمان رضي الله عنه؛ لأن عثمان رأى أن أهل المدينة لو دافعوا لالتهمهم هؤلاء الخارجون؛ لأنهم عدد كبير لا طاقة لأهل المدينة بمدافعتهم.
ويرى بعض العلماء أنه يلزم الدفع مطلقًا، وأن الأحاديث الواردة في ذلك فيما إذا كان الإنسان لا يستطيع المدافعة فإن مدافعته إذا كان لا يستطيع لا فائدة منها.