الدليل حديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الْحُمُر، وأَذِنَ في لحوم الخيل (١٥)، واضح، نهى وأَذِن، وكذلك حديث أسماء في البخاري، قالت: نحرنا فرسًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في المدينة فأكلناه (١٦)، ونحن في المدينة، يعني متأخِّر، فأكلناه، وإنما نصت على أنه في المدينة؛ لأن سورة النحل التي فيها دليل مَن استدل على تحريمها مَكِّيَّة ولَّا مدنية؟ مكية.
إذن الخيل مباحة، ولها دليل إيجابي، ودليل سلبي؛ الدليل السلبي عدم الدليل على التحريم، فيكون الأصل الإباحة، والدليل الإيجابي حديث جابر، وحديث أسماء رضي الله عنهما.
ولكن ذهب بعض العلماء إلى التحريم كأبي حنيفة، واستدل بقوله تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٧، ٨]، فالأنعام قال:{لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ} ويش بعده؟ {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}، {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} قال: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}، إذن فَقَسَّمَ الله سبحانه وتعالى هذه البهائم إلى قسمين: قسم له كذا، وقسم له كذا، وذكر الخيل فيما يحرُم وهي البغال والحمير، فلتكن محرَّمة، وذكر الحكمة وهو الركوب والزينة، ولو كان الأكل سائغًا لذكره؛ لأنه غاية لمن اقتناها.
وهذا استدلال لولا الأحاديث لكان له وجه، ولكن إذا كانت الأحاديث مصرِّحة بأنها –أي: الخيل- حلال، فإنه لا يمكن أن يكون هذا الدليل قائمًا؛ لأن السُّنَّة تفسِّر القرآن وتبينه.