(حلَّ له منه ما يَسُدُّ رَمَقَهُ). (يَسُدُّ) أي: يكفي، (رَمَقَهُ) أي: بقيَّةَ حياته، ولهذا يقال: الحيوان إذا وصلَ إلى حال الموت يقول: هذا ما فيه رَمَقٌ؛ أي: ما فيه بقيَّةُ حياةٍ، فيحِلُّ للمضْطَرِّ أنْ يأكل ما يَسُدُّ رَمَقَهُ؛ يعني ما تبقى معه الحياةُ فقط، ولا يَشْبع، إنما يأكل ما يَسُدُّ الرمقَ فقط؛ الدليل قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} إلى أن قال: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة: ٣]، وقال تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[البقرة: ١٧٣].
إذَنْ إذا اضْطُرَّ الإنسانُ إلى المحرمات هذه جازَ له أكلُها، لكن الله عز وجل اشترطَ شرطين:{فِي مَخْمَصَةٍ} أي: مجاعة، والثاني:{غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} يعني: غير مائلٍ إلى الإثم؛ أي: ما ألجأَهُ إلَّا الضرورة، ما قَصَد الإثم، فهذا يُباح له.
في الآية الثانية:{مَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} فقيل: إن الباغي هو الخارج على الإمام، والعادي: الطالب للمحرَّم؛ المعتدي.
وعلى هذا فإذا كان السفر محرَّمًا مَثَلًا، اضطُرَّ في سفرٍ محرَّمٍ إلى أكل الميتة، قُلْنا: لا تأكلْ؛ لأنك باغٍ وعادٍ.
والصواب: أنَّ الباغي والعادي وصْفانِ للتناول؛ أي: غير باغٍ في تناوُله؛ أي: لا يريد بذلك أنْ يتناول المحرَّم. {وَلَا عَادٍ} أي: متجاوزٍ قَدْرَ الضرورة؛ لتُفَسَّر الآية التي في البقرة بالآية التي في سورة المائدة.
المؤلف رحمه الله يقول:(حَلَّ له ما يَسُدُّ رَمَقَهُ). وهل له أن يشبع؟