اشتهر عند العامَّة أن نوعًا من السُّعال -السُّعال تعرفونه؟ الكحَّة- أنه يُداوَى بلبن الأتان، وكان العامَّة أصوليِّين يعرفون الأصول الشرعية ويقولون: إذا حلَّت الضرورةُ حلَّت المحرَّمات. (حلَّت) الأولى بمعنى: نزلتْ، و (حلَّت) الثانية بمعنى: أُبيحتْ، ففيه جِناس، أيش نوعه؟ جِناسٌ تامٌّ؛ إذا حلَّت الضرورة حلَّت المحرمات.
و: لا نعلم للشَّهَّاقة دواءً إلا لبن النَّهَّاقَة.
طالب: سجعٌ.
الشيخ: سجعٌ؛ يقولون: دواءُ الشَّهَّاقَة، لبنُ النَّهَّاقَة. نعم، صحيحٌ هذا ولَّا لا؟
الطلبة: لا يصح.
الشيخ: هذا غير صحيح؛ أولًا: لأن الله لم يجعلْ شفاءَنا فيما حرَّمَ علينا.
الثاني: أنَّ معنى الضرورة -إذا قيل: ضرورة- معناه أن يُضْطَرَّ الإنسانُ إلى هذا الشيء بعينه، هذا واحد، ثانيًا: وأنْ تندفع ضرورتُه به، انتبه لهذا.
يعني الضرورة التي تُبيح المحرَّم يُشترط لها شرطانِ، ما هما؟
أنْ يتعيَّن دفْع ضرورته بهذا الشيء لا بغيره. والثاني: أنْ تندفع الضرورةُ به.
هل الدواء ينطبق عليه هذا ولَّا لا؟ ما ينطبق. ليش؟
أولًا: لأن الإنسان قد يُشفَى بدون تناوُل الدواء، وهذا شيءٌ كثيرٌ، صح؟
الطلبة: إي نعم.
الشيخ: وكم شُفينا -والحمد لله- من أمراضٍ بدون أن نتناول الدواء، وغالبكم أو كلُّكم مرَّ عليه هذا، أليس كذلك؟
الطلبة: بلى.
الشيخ: إذَنْ لَسْنا في ضرورةٍ إلى تناوُل الدواء.
ثانيًا: ربما يكون هناك دواء غير هذا يُغني عنه، إذَنْ لَسْنا في ضرورة إلى هذا الدواء.
ثم قلنا: وأنْ تندفع ضرورته به. فهل الدواء تندفع به الضرورة؟
قد تندفع وقد لا تندفع؛ يعني: قد يُفيد وقد لا يُفيد، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن الرسول عليه الصلاة والسلام: «الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ» (١). يعني الموت، فإذا لم يُرِد الله عز وجل أنْ يُشفى هذا المريضُ لم يُشْفَ ولو بالدواء.