فقدْ نقول: إن هذا لا بأس به؛ مثل لو كان هذا الصاحبُ المحتاجُ رجُلًا يُنتفع به في الجهاد في سبيل الله، أو رجُلًا عالِمًا ينفع الناسَ بعلمه، وصاحبُ الماءِ المالكُ له مثلًا أو صاحبُ الطعامِ رجُلًا من عامَّة المسلمين، فهنا قد نقول بأنه في هذه الحال مراعاةً للمصلحة العامَّة له أن يؤْثِره، وأمَّا مع عدم المصلحة العامَّة فلا شك أنه يجب على الإنسان أن يختصَّ بهذا الطعام الذي لا يمكن أن يُنقذ به نفسه وصاحبه. انتهينا من هذا. إذا كان طعام الإنسان كثيرًا ووجد مضطرًّا إليه فإنه يجب أن يبذله له وجوبًا. أنتم فاهمون الآن؟
للمرة الثانية نقول: إذا اضطُرَّ إلى عين مال الغير فإنْ كان الغيرُ مضطرًّا إليه فهو أحقُّ به ولا يؤْثِر غيره به، إذا كان غيرَ مضطرٍّ إليه وجب أن يبذله لهذا المضطرِّ وجوبًا. عرفتم؟
وهل يبذله مجَّانًا أو بالقيمة؟ فيه خلافٌ بين العلماء:
قال بعضهم: يجب أن يبذله له مجَّانًا، ليش؟ قال: لأن إطعامَ الجائع فرضُ كفاية، والفرض لا يجوز أن يتَّخذ عليه الإنسانُ أجرًا. فهمتم التعليل؟
وقال آخرون: بل يجب أن يبذله له، وعلى المنتفع به القيمة؛ لأنه أتلفَ عينَ مالِ الغير، فلَزِمه عِوَضُه؛ قيمتُه إنْ كان متقوِّمًا ومِثلُه إنْ كان مثليًّا.
وهناك تفصيلٌ أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه إنْ كان معه العِوَض وجبَ بَذْلُه. إن كان معه، مع من؟
طلبة: مع المضطرِّ.
الشيخ: مع المضطرِّ العِوَض وجبَ بَذْله، وإنْ كان فقيرًا فليس عليه شيءٌ؛ لأن الفقير مِن أين يُوفِّي؟ ! وإطعامُ الجائعِ واجبٌ، بخلاف الغنيِّ فإنَّ عنده ما يعوِّض به صاحبَ المال. وهذا القولُ كما ترون قولٌ ويش نسمِّيه؟ متوسطٌ، قولٌ وَسَطٌ، وله وِجْهةٌ من النظر.