فالذي تبيَّنَ من السُّنة أن الشرط هو أنْ يأكل بدون حَمْل، وألا يرمي الشجر؛ ألا يرميها رميًا، بل يأخذ بيده أو إذا كان قد تساقطَ في الأرض، وأيضًا يُشترط أنْ ينادي صاحبه ثلاثًا، إنْ أجابه استأذنَ، وإلَّا أكَلَ، هذا الذي دلَّ عليه الحديث، وهو مما ذهبَ إليه الإمامُ أحمد رحمه الله.
وذهب الجمهور إلى أنَّ ذلك ليس بجائز، وحملوا الأحاديث على أول الإسلام أو أول الهجرة حين كان الناسُ فقراء محتاجين، وأمَّا مع عدم الحاجة فلا يجوز، ولكن الصحيح أنه عامٌّ ( ... ).
***
فإذا قلت: هل لهذا القول حظٌّ من النظر بعد أنْ كان له حظٌّ من الأثر؟
فالجواب: نعم، وهو أنَّ هذا مما جرت العادةُ بالتسامح فيه، ثم إن ظاهر كلام المؤلف أنه لا فرقَ بين كَوْن الإنسانِ ابنَ سبيلٍ أو كان مقيمًا، حتى في الحوائط التي في البلد لا بأس إذا مررْتَ أن تأخذ.
ولكنْ جرت العادةُ عندنا هنا في القصيم أنهم قد يبيعون ثمرةَ النخلِ على رجُلٍ آخَر، ( ... ) هل يبقى الحكم ثابتًا حتى ولو كان قد اشتراها رجُلٌ آخَر؟ أو نقول: لَمَّا اشتراها مَلَكها، والسُّنة إنما جاءت بالنسبة لصاحب الحائط؟ هذا هو الأقرب، وأنَّ اشتراء الرجُل لها يكون بمنزلة حيازة صاحب الحائط لها، فإذا علمْنا أن هذا النخل قد بِيع ثمرُه فإننا لا نأكل منه.
***
ثم قال المؤلف رحمه الله:(وتجبُ ضِيافةُ المسلمِ المجتازِ به في القُرى يومًا وليلةً).
(تجب) هذا بيانُ أحكامِ الضيافة، والضيافة: أنْ يتلقَّى الإنسانُ مَن قدم إليه فيُكرمه، ويُنزله بيتَه، ويقدِّم له الأكل، هذه الضيافة، وهي من محاسن الدين الإسلامي، وقد سَبَقَنا إليها إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما قال الله تعالى:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}[الذاريات: ٢٤]{الْمُكْرَمِينَ}: الذين أكرمَهم إبراهيم، ولا يمتنع أن يقال أيضًا: والذين أكرمَهم الله عز وجل بكونهم ملائكة.