للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجواب: نعم، لا نقول: إن هذا في الأصل حرامٌ فيحِلُّ سواء ذكَّيته أو خنقته أو أصبته في أيِّ موضعٍ من بدنه. بل نقول: إنه لَمَّا أُبيح للضرورة صار حُكمه حكم ما أُحِلَّ لغير ضرورة.

يقول المؤلف رحمه الله: (لا يُباح شيءٌ من الحيوانِ المقدورِ عليه بغير ذكاة).

(لا يُباح) يعني: لا يحِلُّ.

وقوله: (شيءٌ من الحيوانِ المقدورِ عليه بغير ذكاة).

قوله: (المقدور عليه) فيه نَظَر؛ لأننا ذكرْنا قبل قليلٍ تعريفَ الذكاة الشامل للمقدور عليه والمعجوز عنه، وأنَّ الذكاة إنهارُ الدم من حيوانٍ مأكولٍ، إمَّا في الرقبة، وإمَّا في أيِّ موضعٍ كان من بدنه عند العجز، وحينئذٍ لا نحتاج إلى تقييد ذلك بقولنا: (المقدور عليه)؛ لأن الذكاة تكون حتى في غير المقدور عليه، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في كلام المؤلف وغيره.

يقول: (بغير ذكاةٍ إلا الجراد والسمك).

فإن قلتَ: ما هو الدليل على أنَّه لا يحِلُّ؟

فالدليل قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣]، فاشترط اللهُ الذكاةَ، إذا اشترطَ اللهُ الذكاةَ لحِلِّ هذه التي أصابها سببُ الموت فكذلك غيرُها من باب أَوْلى؛ لأننا نقول: إذا كانت هذه التي أصيبتْ بسبب الموت لا تحِلُّ إلا بذكاةٍ، فالتي لم تُصَبْ من باب أَوْلى؛ لأنه إذا لم يُعْفَ عن الذكاة في هذه التي أُصيبتْ بسبب الموت فألَّا يُعفى عنها فيما سواها من باب أَوْلى، وحينئذٍ لا يحلُّ إلا بذكاة.

والحكمة من ذلك .. يعني نحن الآن عرفْنا الدليل، فما هو التعليل؟

التعليل: ما أجمعَ عليه الأطباء من أنَّ احتقان الدم في الحيوان مُضِرٌّ جدًّا في الصحة، ويسبِّب أمراضًا عسيرة البُرء، وحينئذٍ نعرف حِكْمة الشارع في إيجاب الذكاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>