لكن الصواب الذي عليه جمهور العلماء خلافُ ذلك، وأنَّه لا بدَّ أنْ يُذَكَّى ويُنْهَر الدمُ فيه، ولا بدَّ أن يُسَمَّى اللهُ عليه، كما سيأتينا -إن شاء الله تعالى- في الشروط المستقبَلة.
(كتابيًّا) قلتُ: هو الذي يَدين بدين اليهود والنصارى.
الدليل من القرآن سمعتموه.
من السُّنة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يأكُلُ ذبائحَ اليهودِ، فأهدتْ إليه امرأةٌ شاةً في خيبر فقبِلَها (١٤)، ودعاه يهوديٌّ إلى خُبْزِ شعيرٍ وإهالةٍ سَنِخةٍ فقَبِل وأكلَ عليه الصلاة والسلام (١٥)، والإهالة هي الشحمُ المتغيِّر المنْتِن الذي يُسَمَّى عندنا: المحزر؛ لأنه متغيِّر، لكنه يعقد الطعام ويفيد فيه.
وثبت أيضًا في الصحيح أنَّ عبد الله بن مغفَّل أخذ جرابًا من اللحم والشحم رُمِيَ به في خيبر، فأخذه فالتفتَ فإذا النبيُّ صلى الله عليه وسلم وراءه يضحك (١٦)، وهذه سُنَّةٌ إقراريَّة.
فإن قلتَ: أفلا يمكن أنْ يكون الذابح مُسْلمًا؟ وأنا أريد أن أمنع الاستدلال بالسنة، أمَّا القرآن فظاهر، لكنْ لو قال قائل: الرسول نَعَمْ أجابَ دعوةَ هؤلاء اليهود وأكل من اللحوم التي أهدوها، لكنْ لعل الذابح مُسْلم؟
طالب: احتمال بعيد.
الشيخ: نقول: هذا احتمالٌ بعيدٌ وخلافُ الظاهر، هذا خلافُ الظاهر، ولو كان لا يحلُّ ما قدَّموه للرسول عليه الصلاة والسلام إلا بتذكية مسلمٍ لكان الرسول عليه الصلاة والسلام يسأل عنه حينئذٍ؛ لأن الأصل فيما بأيديهم أنهم هُم الذين ذبحوه.
هل يُشترط أن يكون الكتابيُّ هذا أبواه كتابيَّانِ؟
الصحيح أنه لا يُشترط أن يكون أبواه كتابيَّينِ، وأنَّ لكل إنسانٍ حكْم نفسه، فلو قُدِّر أنَّ الأب شيوعيٌّ أو وثنِيٌّ، وأنَّ ابنه اعتنقَ دينَ اليهود مَثَلًا أو دينَ النصارى؛ فإن ذبيحته على القول الراجح حلالٌ؛ لأنه داخلٌ في عموم قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}.