والقول الثاني: أنها شرط ليست بسنة، ولا تسقط بحال؛ لا سهوًا، ولا جهلًا، ولا عمدًا مع الذكر، لا تسقط أبدًا. وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وأهل الظاهر، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وعن الإمام مالك، واختاره جماعة من السلف من الصحابة والتابعين؛ أنها شرط، ولا تسقط بأي حال من الأحوال.
واستدل هؤلاء بعموم قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام: ١٢١]، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ»(٥)، فَشَرط لحل الأكل التسمية، ومعلوم أنه إذا فُقد الشرط فُقد المشروط، فإذا فُقِدت التسمية فإنه يُفقَد الحل، كسائر الشروط؛ كل الشروط الثبوتية الوجودية لا تسقط بالسهو ولا بالجهل.
ولهذا لو أن الإنسان صلَّى وهو ناسٍ أن يتوضأ وجبت عليه إعادة الصلاة، وكذلك لو صلى وهو جاهل أنه أحدث؛ بحيث ظن أن الريح لا تنقض الوضوء، أو أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء مثلًا، فعليه الإعادة؛ لأن الشرط لا يصحُّ المشروطُ بدونه.
وكما أنه لو ذبحها ولم ينهر الدم ناسيًا أو جاهلًا فإنها لا تحل فكذلك إذا ترك التسمية؛ لأن الحديث واحد:«مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ»، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الصحيح.
والقول الثالث -وهو المذهب-: أنه إذا تركها ناسيًا حلت الذبيحة، وإن تركها عامدًا ولو جهلًا لم تحل الذبيحة، ففرقوا بين الجهل والنسيان هنا.
ودليل هذا هذا الحديث الذي ذكره المؤلف:«ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمُ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَ إِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ»(١٢).
فإذا قلت: أنت ذكرت الأدلة على أنها –أي: التسمية- لا تسقط لا بالجهل ولا بالنسيان، فبماذا تجيب أدلة القائلين بالسقوط؟